* ما هي خباياهم ونواياهم التي تقف خلف دعاواهم الجديدة بأن التوراة حجازية، وأن الرسالات السماوية ظهرت كلها في جبال الحجاز وتهامة، ونفيهم ظهور حضارات أممية قديمة في العراق والشام وفلسطين ومصر..؟
* تتذكرون جيدًا كتاب: (التوراة جاءت من جزيرة العرب) لكمال الصليبي الصادر سنة 1985م، والذي فنَّده وأضعفه الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- وغيره. وأعقبه صدور كتاب: (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام)، مؤلفه (إسرائيل ولفنستون- أبو ذؤيب)، الذي صدر سنة 2018م. وأبو ذؤيب تذكرنا بأبي ذؤيب الهذلي..!! هذا الكتاب كان بحثًا للدكتوراه في مصر، أشرف عليه – كما يقول أبو ذؤيب- الدكتور طه حسين العام 1973م. لكن – لاحظوا- زوي البحث فلم يُطبع إلا بعد قرابة أربعين سنة.. أي بعد وفاة الدكتور طه حسين، حتى لا يرى الصنعة العبرية فيه..!
* ومن آخر ما صدر في هذا الشأن؛ كتاب جديد للدكتور محمد منصور بعنوان: (التوراة الحجازية)، يتجه إلى أن منشأ التوراة مكة، وأن جبال الحجاز وسهول تهامة هي أمكنة ظهرت فيها ليس التوراة فقط؛ وإنما الرسالات السماوية كافة..! ما هي مصادرك ومراجعك العلمية يا د. منصور..؟ قال: أسماء الأمكنة الحجازية الواردة في التوراة وإحداثياتها اليوم..! حسنًا.. كثير من الأمكنة في الحجاز وفي الشام ومصر وشمالي إفريقيا وغيرها؛ تتوافق أو تتشابه في أسمائها. ثم لماذا سكت المؤرخون والمجغرافيون العرب عن هذا الاكتشاف العظيم منذ ألف وأربع مئة عام..؟ لماذا اليوم يظهر جهابذة من لبنان والشام وفلسطين؛ وكأنهم يبحثون عن حق توراتي ضائع لم ينتبه إليه أحد..؟! حتى اليهود أنفسهم غفلوا عنه، أو هم الذين يقفون وراء هذه الحملات التي تأتي على شكل اكتشافات تاريخية متأخرة..! هل نحن أمام مؤامرة تاريخية جديدة تخطط لها الصهيونية العالمية؛ وتستخدم لها أدوات عربية كما جرت العادة..؟
* نعم.. بل هي مؤامرة قديمة يجري تحديثها بين وقت وآخر في إطار إسرائيل الكبرى، التي لا تتوقف عند حدود النيل والفرات، وإنما تصل بدعاوى تاريخية مختلقة إلى أرض العرب الأولى في الجزيرة العربية، وفي قبلة المسلمين الأولى مكة. أما الأدوات؛ فعربية وفارسية. لن يعدم الصهاينة وجودهم وانخراطهم في المشروع مهما طال الزمن. لنأخذ على سبيل المثال (ابن المجاور- جمال الدين أبو الفتح يوسف ت 690هـ) من أصول فارسية. صاحب كتاب: (صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز المسماة تاريخ المستبصر)، كتاب كله أكاذيب وادعاءات وسخافات تستهدف تحقير العرب في هذه البقاع وتمجيد الفرس، إلى جانب الخلط العجيب، وحشر معلومات تاريخية خاطئة ومضللة. الكتاب صدر العام 2022م عن المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية- صنعاء، بتصحيح وضبط (أوسكر لوفغرين) وتصويب وتعليق وفهرسة محمد عبدالرحيم جازم. يقول مدير المعهد الأمريكي المسئول عن هذا الإصدار (د دانيال مارتن فارسكو) ما نصه: (أشعر اليوم بسعادة غامرة ونحن نقدم من خلال المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية بصنعاء الطبعة الجديدة من كتاب ابن المجاور – صفة بلاد اليمن- والتي هي بثوبها الجديد القديم؛ نتاج عمل ثلاثة أشخاص: ابن المجاور الفارسي، واوسكر لوفغرين السويدي، ومحمد عبدالرحيم جازم اليمني. إننا مع هذه الطبعة الجديدة؛ نقدم تراثًا إنسانيًا أصيلًا، هو مزيج من المنمنمات الفارسية المختلطة بشذى المروج والغابات السويدية، وبرائحة ومذاق القهوة اليمنية).
* الكتاب الغريب؛ لا يوجد سطر واحد فيه يخلو من أخطاء نحوية وإملائية، أما روايات الجن والخرافات فحدث ولا حرج، وتعمد المؤلف الذي قال إنه ارتحل من مكة عبر جبال الحجاز إلى اليمن، إلى إيراد قصص خيالية عن عادات سيئة لا يمكن أن تكون في بيئة عربية، كما أخذ يسخر من المذاهب وأهلها، واكتشف أن هذه البقاع هي موطن كل الأنبياء والرسل والديانات..!
* أما عنصرية ابن المجاور لقومه فحدث ولا حرج. ذكر زورًا وبهتانًا ألقابًا لمئات قال إنهم من ملوك العجم الذين تولوا ملك عدن تبدأ من: مولانا ولي النعم ومعدن الكرم الملك العادل المؤيد من السماء.. إلى: عماد الخلافة مجد الأمراء أبو البركات الحرث هزاراسب بن جمشيد..! وهكذا يحاول ابن المجاور ترسيخ الوجود الحاكمي لقومه الفرس حتى في عمان وأطراف الجزيرة الشرقية وأنحاء اليمن الأخرى. الملفت أكثر في ثنايا الكتاب الجناية؛ أن صاحبه يتهم نساء العرب في هذه البقاع كافة من مكة إلى صنعاء وعدن وسواحل عمان.. يتهمهن بالبغاء والدعارة، وأن رجالهن لا يمانعون في ذلك، بل بعضهم يقود على حريمه..! كيف قبلت عاصمة اليمن أن يصدر كتاب من قلبها يشوه صورتها وصورة عربها من غابر الزمان إلى عهد الرحالة الفارسي بهذه الصورة البشعة..؟!
* تعمد (الخبيث الفارسي ابن المجاور)؛ إيراد روايات له كاذبة عن عرب في هذه البقاع يعبدون الأصنام..! ويعبدون بعض رموزهم..! وأكاذيب مقززة تحط من العنصر العربي، وتنتقص من عرب السراة وتهامة واليمن. ثم لم يكتف الرحالة الفارسي ابن المجاور بتشويه العرب في قراهم ومدنهم، واتهامهم في عقائدهم وأخلاقهم، بل أخذ يكرر ويكرس ما يرى أنه وجود يهودي ومسيحي قديم في هذه البقاع. الرسالة واضحة إذن منذ ثمانية قرون، والفكرة جاهزة لمن يلتحق بالمشروع اليهودي الكبير، من عرب الشمال الذين- على ما يبدو- لا يتورعون عن خدمة كهذه توراتية نصرانية صهيونية.
المصدر: صحيفة الجزيرة