الزواج في الدرعية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي
حينما يتحدد موعد الزواج – في الدرعية -، يرسل والد العريس رجلا يسمى (النبّاب) ليَنِب (يدعو) الضيوف لحضور الزواج، وممن كان يتولى هذه المهمة في الدرعية؛ محمد بن سبتان وعبدالعزيز بن حسين (أبو حسين) رحمهما الله.
ويرسل والد العروس النباب أيضا؛ ليدعو ضيوفه، ويؤكد على من عنده من هؤلاء بساطا أو قدرا أو صينية أو معاميل قهوة أو لبنا، بأن يفزع بها لمساعدة والد العروس، الذي لا تتوافر لديه أواني الزواج عادة.
ويجتمع المرافقون للعريس (المسايير)، في بيت والد العريس، ثم يتجهون جميعا إلى بيت والد العروس؛ لتناول وليمة العرس؛ وعادة ما تكون قبيل أذان العصر، وهي بمثابة العشاء، فلا تؤكل بعدها وجبة ثقيلة.
ويحرص والد العروس على ذبح ناقة حائل سمينة، سبق أن أرسلها والد العريس؛ كي تكفي المدعوين للزواج، وغير المدعوين الذين يتوافدون من الأرجاء؛ علَّهم يجدون ما يسد جوعهم.
وحينما يلاحظ صاحب الدعوة كثرة المدعوين، ويغلب على ظنه أن العشاء لن يكفيهم، فإنه يصب السمن على الأرز في الصحون؛ كي يصبح ثقيلا، وتشبع منه اللقمات القليلة.
ودأب الجميع على جعل العشاء قبيل العصر، إلا أن الأمير فهد بن زعير ومن بعده ابنه محمد أمير الفوج، اعتادا على جعل طعام العشاء بعد صلاة العصر؛ كي يتسنى للجميع الأكل بطمأنينة، هم ومن يلونهم في الأكل، دون خوف من فوات الصلاة.
وحينما ينوي غيرهما إقامة وليمة، ويريد أن يجعلها بعد العصر، فإنه ينبه المدعوين إلى أن “الوليمة زعيرية” وهكذا أصبحت هذه العبارة تعني تأخير الوليمة.
وبعد أن يأكل المسايير في الجلسة الأولى وينهضون، يجلس بعدهم أهل العروس وأقاربهم، ثم ينهضون ويجلس بعدهم غير المدعوين، ثم يترك الباقي للنساء.
وهكذا يجلس على الصحن أربعة أفواج، وكل فوج يسمى ندوة، وذكر ذلك الشاعر حميدان في قصيدته الساخرة: وأهل العودة عند الندوة ———- عد أوخيك وعد عشرة.
وكان الناس ممن لم توجه لهم الدعوة، يعذرون أصحاب المناسبة، بل وصل حال التسامح بهم أن يسألوا من حضروا المناسبة: بشروا عساهم أنستروا قدام الأجناب؟.
ومن الطرائف أن أحدهم دعا ضيوفا لوليمة، فجاءه الضيوف ومعهم غيرهم من الطفيليين، إلا أن صاحب الوليمة عرفهم فردا فردا، وصنفهم جميعا أثناء إطلاقه عبارات الترحيب، فقال: حيا الله الضيف، واللي جوا مع الضيف، واللي جوا من عِلوا، واللي جوا من حِدرا، واللي جوا هدد!.
وبعد تناول العشاء وصلاة العصر، يعود بعض المسايير من أصحاب المزارع وأهل المهن إلى أعمالهم، ويبقى آخرون يرافقون العريس، لشرب الشاي والقهوة في أحد بيوت الداعين، وربما تخلل الجلسة بعض الفنون الشعبية.
وعقب صلاة المغرب، يتريثون قليلا، ثم يصلون العشاء في أول وقتها، ويتجهون مع العريس، في كامل زينتهم، إلى بيت والد العروس، يضيء طريقهم حملة الفنرات والسُّرُج، ويدخلون العريس على عروسه، ثم يغادرون.
ويعود أهل العريس في الصباح إلى حيث تركوا ابنهم البارحة، ويهنئونه ويطمئنون على حاله مع عروسه بعبارات، منها: بَشّر، عساك راغب ومرغوبٍ فيك؟.
ثم يتناولون الغداء لدى والد العروس، في وقت الضحى، ويعودون أدراجهم يرافقهم العريس إلى بيته، دون أن تصحبه الزوجة، التي يقام لها في بيت والدها في المساء، احتفال تحضره النساء، ويغنين فيه على ضربات الدف، دون أن يصحب ذلك وجبة عشاء.
وبعد انتهاء الحفل في أول الليل، يصحب أهل العروس ابنتهم، ترافقها الربعية (البياعة) إلى منزل العريس، وتسمى هذه الطريقة التحوال؛ أي تحوّل العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها.
وفي اليوم الثالث، يقيم والد العريس وليمة غداء لابنه، ويدعو أقارب الزوجة، وتسمى هذه الوليمة في منطقة العارض (المُوجْبِة)، وفي الخرج وجنوبه تسمى (الكَرمَة) وقد يسميها البعض كرامة، وبتناول هذه الوليمة، تتنتهي فعاليات الزواج.
ولا تقام الأعراس آنذاك إلا أيام الصيف؛ ذلك أن بيوت الناس صغيرة، ولا تكفي لإقامة المناسبات، ويهيئ أصحاب الدعوة الشوارع والساحات لجلوس الناس، كما أن الضيوف القادمين من بعيد، ينامون في العراء، ومن ذلك النوم في باطن الوادي، ولن يتيسر ذلك في فصل الشتاء والأمطار.