
كتب رئيس التحرير صالح بن خميس الزهراني
نرجو أن نوفَّق في تسليط الضوء على البُعد الإنساني في شخصية الملك عبدالعزيز آل سعود – طيّب الله ثراه – كما يتجلّى في رسائله الشخصية إلى معارفه وأصدقائه، إذ تبرز من خلالها سمات رفيعة تعكس سمو أخلاقه وحرصه على تعميق الروابط الإنسانية والاجتماعية، إلى جانب ما تحمّله من مسؤوليات قيادية وإدارية جسيمة.

ومن أبرز هذه السمات:
1 – التواصل الوجداني والمباشر
الملك عبدالعزيز لم يكن يكتفي بالرسائل الرسمية، بل كانت رسائله مليئة بالدفء الإنساني والدعاء والسلام والسؤال عن الأحوال، كما يظهر في برقيته إلى عبدالوهاب أبو ملحة حين قال:
“يسرنا وصول مكتوبك.. ونسأل الله لك الخير والسرور.. وبلغ سلامنا للأولاد..”
ما يعكس اهتمامًا شخصيًا لا يُصطنع.
2. إظهار الفرح بما يسرّ الآخرين
في كثير من مراسلاته، كان الملك يُبدي سروره لما يسمعه من أخبار طيبة عن أحوال أصدقائه وأهله.. وهذا لا يصدر إلا عن قائد يعيش قضايا الناس بهمٍّ صادق.
3. الدعاء المتبادل والروح الإسلامية
أغلب الرسائل تبدأ وتنتهي بالدعاء، وتحتوي على تبادل البركة والتضرع إلى الله، ما يكشف عن بعدٍ إيماني عميق بالله يحكم علاقاته، حتى في المكاتبات السياسية أو الشخصية.
4. الحرص على استقرار أحوال الناس
من خلال رسائله، يظهر اهتمامه بأوضاع البلاد – أمنًا ومعيشة – كما في برقيته التي عبّر فيها عن سروره من رخاء الأسعار وكثرة الأمطار، وطلبه أن يعمّ الخير باقي بلاد المسلمين.
5. تعزيز الترابط المجتمعي
الملك عبدالعزيز كان يؤمن أن قوة الدولة لا تُبنى على القوة العسكرية بقروعها أمنية ودفاعية، والمالية والاقتصادية فقط، بل على لحمة اجتماعية متينة، لذلك حرص على علاقات وثيقة مع مشايخ القبائل، والعلماء، والتجار، وعامة الناس.
6. التقدير الشخصي والتواضع
كان الملك يذكر أسماء الأفراد ويدعو لهم ويطلب منهم تبليغ السلام لأبنائهم وأصدقائهم، دون تكبّر أو تكلّف، وهو تواضع نادر لقائد دولة في تلك الحقبة نسمية تواضع الكبار.
مايمكن أن يقال بعد ماتقدم ذكره إلا ما يؤكد أن البُعد الإنساني عند الملك عبدالعزيز لم يكن تكتيكًا سياسيًا، بل كان أصيلًا في تكوينه القيادي والشخصي، وانعكس في رسائل تُعدّ اليوم وثائق حيّة لشخصية عظيمة جمعت بين الحزم والرحمة، وبين القيادة والرفق.
ولعله من المناسب بل من تأكيد ما تقوم به دارة الملك عبد العزيز من جمع وكشف الستار عن وثائق نادرة تكشف لنا وللأجيال القادمة الجانب الإنساني في تاريخ المؤسس- الملك عبد العزيز رحمه الله- إنسانية وحرصه على رخاء البلاد
بدليل قيام دارة الملك عبدالعزيز بعرض وثيقةً تاريخيةً نادرة تعود إلى 25 شوال 1344هـ (10 مايو 1926م)، توثّق برقية بعث بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه، إلى أحد رجالات الدولة البارزين آنذاك عبدالوهاب أبو ملحة، يعرب فيها عن سروره بوصول رسالته، ويطمئنه على أوضاع الدولة، ويشيد بما تنعم به البلاد من رخاء في الأسعار وكثرة في الأمطار، في انعكاس صريح على الاستقرار الاقتصادي والسياسي خلال مرحلة بناء الدولة.
وقد تميزت البرقية، التي تحتفظ بها الدارة ضمن أرشيفها الوثائقي، بلغة ودية أصيلة، حيث تضمنّت إشادةً من الملك عبدالعزيز بالخير الوفير الذي عم البلاد، داعيًا الله أن يعمَّ هذا الرخاء سائر أرجاء بلاد المسلمين، كما تضمنت توجيهًا كريمًا بإبلاغ السلام إلى “الأولاد”، مع تحيات من “الإخوان والأبناء”، في دلالة على عمق الأواصر الاجتماعية والروابط الأبوية التي حرص المؤسس على ترسيخها مع رجالاته.
وتعكس هذه الوثيقة جانبًا مهمًا من أسلوب القيادة لدى الملك عبدالعزيز، إذ كان يعتمد على المراسلات الشخصية والمباشرة كوسيلة لتعزيز الاتصال برجالات الدولة والقبائل، بما يعزز الثقة، ويقوّي اللحمة الوطنية.
ويُشار إلى أن المؤسس كان حريصًا على التواصل حتى مع القادة المحليين والمعرفين وأعيان المناطق، سواء عبر برقيات مكتوبة أو رسائل خطية أو عبر الرُسل، وقد خُصص لهذا الغرض جهاز إداري في الديوان الملكي يعنى بإدارة المكاتبات وتوثيقها.
ويُعد عبدالوهاب أبو ملحة، الذي وُجّهت إليه البرقية، أحد الشخصيات الوطنية البارزة، وقد أسهم في دعم جهود الدولة الناشئة في مجالات القضاء والإدارة، وينحدر من أسرة عُرفت بالعلم والقضاء في منطقة عسير. وكان من أوائل الذين نالوا ثقة الملك عبدالعزيز في المهام الاستشارية والشرعية خلال العقود الأولى من التأسيس.
وقد نشرت دارة الملك عبدالعزيز صورة الوثيقة بخط البرقية، في إطار حرصها على إبراز الكنوز الوثائقية التي تُجسد النهج الإنساني والسياسي الحكيم للملك المؤسس، وتسهم في إثراء الذاكرة الوطنية، وتوثيق اللحظات المفصلية من تاريخ المملكة.
-
الرسل أو العدائين:كانوا يحملون الرسائل على أقدامهم أو على ظهور الدواب، وهي طريقة بطيئة وغير موثوقة.
وما أن أستخدم المؤسس البرقيات والمراسلات لتسهلت التواصل الفوري مع مختلف المناطق.



