الباحة.. مصيف ومشتى على قمم السروات تزهو بالتراث والسياحة

أحوال – محمد صالح الزهراني
من أعالي جبال السروات في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، تتجلى منطقة الباحة كتحفة طبيعية وسياحية نابضة بالحياة، تجمع بين جمال التضاريس وروعة المناخ وثراء الموروث الحضاري والمعماري. وتتميز المنطقة بموقعها الفريد بين السراة وتهامة، مما يمنحها تنوعًا بيئيًا ومناخيًا يجعلها مصيفًا بامتياز في الصيف، ومشتى معتدلًا في الشتاء، ما يضعها على خارطة الوجهات السياحية المستدامة في المملكة.
عمارة الجبال.. هوية متجذّرة
في قرى الباحة المعلقة على السفوح، يبرز الطراز المعماري الجبلي الذي يعكس تفاعل الإنسان مع بيئته، من خلال مبانٍ شُيّدت بعناية لتراعي الظروف المناخية الصعبة والتضاريس الوعرة. وتستخدم في هذه العمارة مواد طبيعية كالحجر المحلي وأخشاب العرعر والطين، في انسجام تام مع الطبيعة المحيطة. كما تتميز هذه المباني بعناصر تصميمية خاصة مثل “عمود الزافر”، والحصون، والسلالم الخارجية الحجرية، وأسطح المنازل المسطحة التي غالبًا ما تستخدم لتجميع مياه الأمطار.
ويؤكد الدكتور عبدالله بن عبدالقادر هريدي، الأستاذ المشارك في العمارة وتقنية البناء بجامعة الباحة، أن للمنطقة طرازًا معماريًا فريدًا يمكن تصنيفه إلى ثلاثة أنماط رئيسية: التقليدي، والانتقالي، والمعاصر، مبينًا أن هذه الأنماط مستمدة من البيئة الثقافية والجغرافية للمكان، وتشكل مصدر إلهام لمعماريي العصر الحديث.
وأضاف أن مشاريع العمارة الحديثة في الباحة تسعى حاليًا إلى إعادة توظيف المفردات التراثية ضمن اشتراطات البناء الحديثة، بما يسهم في معالجة التشوه البصري، وتحسين كفاءة الطاقة، وتعزيز الطابع المحلي للمدن، بما يتوافق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
تطبيق الموجهات التصميمية للعمارة السعودية
وجاءت الباحة ضمن المرحلة الثانية من تطبيق الموجهات التصميمية للعمارة السعودية، التي أُطلقت مؤخرًا لتشمل المشاريع الحكومية الكبرى والمباني التجارية، في إطار خريطة العمارة السعودية التي أعلن عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – في مارس الماضي. وتضمنت هذه الخريطة 19 طرازًا معماريًا مستوحى من هوية كل منطقة، بهدف ترسيخ العمارة السعودية وتعزيز جاذبية المدن.
إرث شعبي وذاكرة حيّة
ويستذكر المواطن محمد بن سالم الغامدي (73 عامًا)، الذي عمل لعقود في حرفة بناء المنازل بالحجر، أن لكل منطقة طابعها المعماري الخاص، تبعًا لطبيعتها الجغرافية، حيث تختلف أنماط البناء بين سراة الباحة وتهامتها، ما يعكس تنوع الثقافة المعمارية في المنطقة.
وأوضح الغامدي أن المنازل في السراة تُبنى عادةً من صخور الجرانيت والبازلت، وتُزخرف بأحجار المرو البيضاء، وتُسقف بخشب العرعر المغطى بالطين، مما يمنحها متانةً عاليةً وتكاملًا بيئيًا.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت الباحة حراكًا شعبيًا متزايدًا لإحياء الطراز المعماري القديم، من خلال ترميم القرى والمنازل التراثية وتحويلها إلى مواقع جذب سياحي واستراحات، بأساليب تحافظ على الهوية وتستفيد من الحداثة.
وجهة سياحية على مدار العام
بالإضافة إلى ما تزخر به من ملامح عمرانية، تُعد الباحة وجهة سياحية متكاملة، حيث تتميز بمناخها المعتدل وطبيعتها الخلابة، وتضم العديد من المواقع الطبيعية والأثرية التي تستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها.
أبرز المعالم السياحية في منطقة الباحة:
- غابة رغدان: واحدة من أجمل الغابات في المملكة، وتتميز بإطلالاتها الساحرة ومناخها المعتدل.
- منتزه الشكران ومتنزه الأمير مشاري: مواقع مثالية للعائلات ومحبي التخييم والتنزه.
- قرية ذي عين التراثية: من أقدم القرى الأثرية المبنية بالحجر الأبيض، وتضم ينابيع مياه طبيعية.
- سد الجنابين وسد العقيق: من الوجهات الطبيعية المهمة لعشاق الطبيعة والتصوير.
- قلعة بخروش في قرية الحسن بمحافظة القرى.
-
- منتزه ضرك بمافظة المندق.
- منتزة ظهر الغدا.
- منتزه برحرح.
- الأسواق الشعبية: كسوق السبت في بلجرشي، الذي يعكس جوانب من الحياة التراثية والتقاليد.
- سوق السبت بالمندق في زهران
يُعد “سوق السبت” بمحافظة المندق أحد أبرز الأسواق الشعبية في منطقة الباحة، ويحتل مكانة خاصة ضمن الموروث الثقافي للمنطقة.. وقد تم إعادة تأهيل وذلك برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي أمير منطقة الباحة الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز، ليعود السوق بحلته الجديدة محافظًا على أصالته التاريخية. -
سوق الحجرة وتأهيله
ومن الجدير بالذكر إعادة تأهيل سوق الحجرة. -
سوق برحرح سوق بني فهم الشعبي بمركز برحرح بمحافظة المندق الذي استعاد نشاطه بعد توقف دام ما يقرب من ٢٥ تزيد أو تنقص. وهذا السوق ليعرف له بداية لقدمه.. ويرتاده مع دوس بني مالك وبالحرث والبقوم لأنه يقع ف شمال منطقة الباحة وقريب من هذه القبائل
الآثار والتاريخ في محافظة المندق
وعند التعمق في الجانب التاريخي لمحافظة المندق الواقعة في زهران بمنطقة الباحة، نجد أنها تزخر بالإرث الحضاري والمواقع الأثرية العريقة، فقد اكتسبت المندق مكانة تاريخية بارزة، لاحتضانها قرى ومواقع أثرية ذات أهمية كبيرة.فمن أبرز ما يُذكر في هذا السياق، أن المندق تحتضن قرية الصحابيين الجليلين الطفيل بن عمرو وأبي هريرة -رضي الله عنهما-، إضافةً إلى عدد من النقوش والمخطوطات القديمة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ.
كما تضم المحافظة وادي ثروق التاريخي، الذي يمتد من الجنوب إلى الشمال بطول يقارب كيلومترين، ويتفرع منه وادي الخلصة. وقد أشار ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان إلى “ثروق” بقوله:
«ثروق: اسم لقرية عظيمة لدوس بن عدثان بن زهران».
وقد ذاع صيت وادي ثروق منذ أن عاد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو إلى قومه داعيًا إلى الإسلام، فآمن بدعوته الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-، وكان لذلك أثر بالغ في انتشار الدعوة في تلك المناطق.