دمعة أسى على رحيل شيخي سماحة مفتي المملكة

أ. شهوان بن عبد الرحمن الزهراني
رحيل العلماء ورجال الفكر والمصلحين من الخسائر الكبيرة التي يتأثر بها كثير من افراد المجتمع بصفة عامة وطلاب العلم بصفة خاصة.. فرحليهم عن المجتمع كانقطاع الغيث عن الزرع والكلأ عن الضرع والنور عن السائرين فالناس كلهم بحاجة إلى العلم والعلماء والاهتداء بهؤلاء الائمة العلماء، لأنهم يحملون ميراث النبوة الذي لا يستغني عنه مسلم فالعلماء ورثة الأنبياء كما أخبرنا بذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء الموافق الأول من شهر ربيع الآخر من عام 1447هجرية رحل سماحة الشيخ، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ. المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي رحمه الله وغفر له وجعل قبره روضة من رياض الجنة وجزاه الله عنّا خيرا وجعل كل ما قدمه لطلابه وأمته في ميزان حسناته.
فسماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله بذل حياته لخدمة العلم وطلابه والإسلام والمسلمين، وتقلد عدة مناصب كبيرة. ولن استعرض سيرة حياته فهي معروفة عند طلابه وعند علماء المسلمين وعامتهم، وكيف لا يعرفون من خطب على منبر مسجد نمرة بعرفة لمدة ثلاثة وثلاثين عاماً، وقضى ما يقارب من ربع قرن وهو يشغل منصب مفتيالمملكة، كما كان يشغل رئيس هيئة كبار العلماء، والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي“. ولهذا فسيرته أشهر من أن تذكر فهو بين العلماء كأنه علم في رأسه نار.
بيد أنه من واجبي الديني والأخلاقي ومن حق شيخنا رحمه الله على أبنائهالطلاب أن يذكروا وينشروا ما يعرفونه عنه كأقل واجب يقومون به تجاه سماحته، ولهذا فقد رأيت من الواجب عليّ أن أسجل في هذه الأسطر كلمة وفاء لشيخي ومعلمي وأستاذي سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، فقد كنت أحد طلابه في جامعة الامام محمد بن سعود للعام الدراسي(1396-1397) وقد كان يلقي علينا محاضرات في مادة العقيدة شرح كتاب ( العقيدة الطحاوية) وكنّا نعجب من غزارة علمه وفطنته وشدة ذكائه وسرعة البديهة وذاكرته القوية وحسن تعامله مع طلابه وشفقته عليهم ورأفته بهم، فكان رحيماً ليناً من غير ضعف، وحازماً وقوياً من غير عنف.
لقد كنا نتعجب من إدراكه لكل ما يجري من حوله من أمور قد لا يراها كثير من الناس أو يتذكرونها بعد مضي وقتها، ولكنه كان بها محيطاً غير نسيا، رغم انه كان بصيرا، ولكن أيقَنّا أن الله عز وجل منحه وحباه وعوضه بنعمة البصيرة فكانت أكبر من مجرد البصر.
وقد حدث لي شخصياً موقف مع سماحته يدل بجلاء ووضوح على ما يتمتع به رحمه الله من ذكاء وذاكرة قوية، وحرص وشفقة على طلاب، فبعدعطلة عيد الأضحى عام 1396هـ تأخرت عن الحضور للجامعة لمدة أسبوع بسبب مرافقتي لوالدي رحمه الله تعالى حينما دخل مستشفى الأمير منصور العسكري بالطائف لإجراء عملية جراحية (فتاق) وكان حج ذلك العام قد حدث فيه حريق كبير بمنى. وبعد عودة الطلاب للجامعة وكان شيخنا عبد العزيز رحمه الله تعالى يستعرض أسماء الطلاب حسب ترتيب مقاعدهم عند الأسئلة أو لمعرفة من غاب منهم. وكان كلما وصل الدور لاستعراض اسمي وكان يناديني بلقبي (الزهراني) وخلال الأسبوع الأول من الدراسة لم أكن متواجداً كما أسلفت، وكان في كل محاضرة يسأل الزملاء: هل أحد منكم يعرف سبب غياب الزهراني!؟ فكانوا يردون بعدم معرفة ذلك، وبعد حضوري سألني الشيخ عن سبب الغياب فأخبرته أن ذلك كان بسبب مرافقتي لوالدي في المستشفى، فحمد الله تعالى وأثنى على فعلي، وقال كنت أخشى أن تكون من الحجاج الذي كانوا في حادث منى، ثم وجه كلمة لطلاب الفصل بضرورة التواصل مع بعض ومعرفة أحوال بعضنا بعض وقال: إن من أراد أن يبحث عن أخبار الزملاء فلن يعدم وسيلة لذلك.
كان هذا الموقف من سماحته رحمه الله مؤثراً في نفسي وبقي عالقاً بذهني فهو يشير إلى اهتمام الشيخ بطلابه ورأفته وشفقته بهم وحرصه على توطيد العلاقات بين الطلاب بعضهم مع بعض، لأن ذلك مما يساهم في تنمية العلاقات والصلات الاجتماعية والتكافل الذي يتميز به المجتمع المسلم عن غيره. كما يدل على أن المعلم ليس مجرد إنسان يزود الطلاب بمعلومات من الكتاب ولكنه قدوة ينشر بين طلابه الخير والفضل والتعاون والتراحم من خلال سلوكه وتصرفاته وليس مجرد أقواله وعباراته.
وهذه كلمة وفاء ودمعة أسى على رحيل هذا العالم الجليل، فرحم الله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وجزاه عني وعن طلابه وعن جميع المسلمين خير الجزاء.