الرئيسيةالمحليات

من لم يدخل جنة الدنيا لا يدخل جنة الآخرة

Listen to this article

احوال – مكة – تقرير  عاطف الرفاعي:

في مساء من أمسيات زماننا الجميل، وبين نسائم الهُدى العليلة وجمال طبيعة الطائف الخلابة، توقفت لأداء صلاة العشاء في أحد الجوامع العريقة هناك.
لحظة الوقوف بين يدي الله، وسط سكون الليل وخشوع المكان، كانت نبضًا يخفق في أعماقي، إذ لامست روحي مشاعر إيمانية صافية، وروحًا تنساب في صفاء لا يُوصف.

في تلك السجدة، في تلك المناجاة، شعرت أني دخلت جنةً من نوع آخر… جنة يذوقها القلب قبل أن تراها العين.
وهنا تذكّرت المقولة الخالدة:

“من لم يدخل جنة الدنيا، لا يدخل جنة الآخرة.”

نعم، إنها جنة القرب من الله، جنة الأنس به، جنة الطمأنينة التي لا يهبها إلا لمن أقبل عليه بقلب صادق.
فطوبى لمن عرف طريقها، وطوبى لمن وجد لذّتها في صلاته، ودعائه، وذكره

من لم يدخل جنة الدنيا لا يدخل جنة الآخرة

قد يُفاجأ بعض الناس من هذا العنوان، ويتساءلون: هل هناك جنة في الدنيا تعلو على جنة الآخرة؟
والإجابة: لا، بالطبع لا تعلو جنة الدنيا على جنة الآخرة، ولكن الحديث هنا عن جنة من نوعٍ آخر، جنةٍ ليست من ذهبٍ ولا حرير، بل جنةٍ يعيشها القلب، ويتذوقها الروح، إنها جنة القرب من الله.

جنة في الدنيا… نعم!

إنها دقائق أو ساعات تعيشها في خلوة صادقة مع الله، بعيدًا عن صخب الدنيا وزحمتها. لحظات تخشع فيها الجوارح، وتدمع فيها العيون، ويطمئن فيها القلب، وأنت تناجي ربًّا كريمًا، غنيًّا، حليمًا، يحب أن يسمع منك، ويحب أن يعطيك.

قد تكون في ركعة طويلة في جوف الليل، أو دعوة من قلب مكسور، أو دمعة خشوع نزلت دون إرادة، أو جلوس في مسجد لا تريده أن ينتهي، ترفع يديك، تهمس بدعاء، وتشعر أن الله معك، يسمعك، يعلم حالك، ويرحم ضعفك.

هذه هي جنة الدنيا التي قال عنها بعض السلف:

“إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة”.

جنة القلوب لا جنة القصور

ليست الجنة التي نتحدث عنها قصورًا ولا أنهارًا، بل راحة وسكينة وسعادة يعيشها من ذاق طعم الإيمان، ولذة العبادة، وصدق التوكل على الله.
إنها نعيمٌ مقيم للقلب، يعيشه العبد عندما يفرّ من الخلق إلى الخالق، من الشكوى إلى الشكور، من الأمل في الناس إلى الرجاء في الله.

من ذاق عرف

من ذاق هذه الجنة، أصبح قلبه معلقًا بالمساجد، يفرح بالأذان، ويشتاق للقرآن، ويبكي شوقًا لسجدة، ويعيش يومه وهو يتحين لحظة الخلوة مع ربه.
ومن حُرمها، عاش يتخبط في ظلمات القلق، ودوامات الهم، وتيه الدنيا، وإن امتلك من المال والمكانة ما امتلك.

الختام: مفتاح جنة الآخرة

من أدرك جنة الدنيا، هُيّئ قلبه لجنة الآخرة، لأن من تلذذ بالقرب من الله في الدنيا، لن يرضى بغيره نعيمًا في الآخرة.
فمن رحمه الله في دنياه بلذة العبادة، رحمه في آخرته بدوام النعيم.

فيا من تقرأ هذه الكلمات، ابحث عن جنة قلبك في سجدة، في دعاء، في تلاوة، وكن على يقين أن من وجد الله، فقد وجد كل شيء

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا لأخي عاطف الرفاعي على هذا المقال النابض بالإيمان والروحانية، الذي لامس القلوب وذكرنا بجنة الدنيا التي يعيشها من ذاق لذة القرب من الله.
    كلماتك رسمت لوحة روحانية، استوقفت القلب قبل العقل، وأحيت فينا شوق السجود والمناجاة فمقالكم ليس مجرد سرد، بل دعوة صادقة للعودة إلى الله، والبحث عن الطمأنينة الحقيقية.
    جزاك الله خير، ونسأل الله أن يكتب لك أجر كل من تأثر بكلماتك التي لامست القلوب.

  2. [جنة القلوب لاجنة القصور]
    احسنت في ماكتبت ، فما أحوجنا لهذه الجنة وسط صخب الحياة المتزايد ووسط هذه العولمة الجارفة …
    نعم إننا بحاجة لدمعة صادقة من خشية الله في خلوة .
    نسأل الله أن يمتعنا بمتاع الصالحين .
    نشكر الكاتب والصحيفة على هذا المقال .

زر الذهاب إلى الأعلى