الرئيسيةثقافة

الدحة .. صرخة الرعب الوائلية

Listen to this article

أحوال – عطاالله العنزي

قبل أن تكون الدحة فناً شعبياً تحضر في الأعراس والحفلات ، ولحناً مبتكراً للشيلات الحداثية والأغاني المعاصرة ، فقد كانت لها قصة تاريخية معروفة رغم اختلاف الرواة فيها .

فالدحة اليوم ، رقصة شعبية محببة لقبائل الشمال قاطبةً ، إلا أن بطون بني وائل هم المتخصصون بها ، والمجيدون لها ، كيف لا .. وهي المجد الذي صنعوه حرباً .. فتوارثوه سلماً .

 تأدية الدحة

تؤدى الدحة في الحفلات والأعراس والمناسبات ، وكلٌ يؤديها حسب معرفته وإمكانياته ، فهي عبارة عن رقصة حماسية تؤدى بصفٍ واحد من مجموعة رجال يمتلكون موهبة الصوت الجهوري ، يتوسطهم ” شاعر الدحة ” الذي يبدع في المدح و الفخر وذكر محاسن القبيلة وصولاتها وجولاتها ، أو يتغزل ب ” الحاشي ” وهي المرأة التي تحضر للعب دور البطولة في الحماسة ، فيبدأ الشاعر بمدحها عندما تحضر مع ” الرابط ” الذي يقف معها لمناورتها ، وبعد كل بيت يردد الرجال في الصف :
هلا هلابك يا هلا
لا يا حليفي يا ولد
وعندما ينهي ” شاعر الدحة ” قصيدته ، يأذن بلعب الحاشي بقوله ” كولوا حاشيكم ” ليبدأ الرجال في الصف بالتصفيق كخبط الجمال أثناء جريها ، وإصدار صوت ” هديرها ” مع صوت ” زئير الأسود ” ، ولتبدأ المرأة باللعب بسيفها ومناورة الرجل بأنفة و فخر واعتزاز . حتى تأتي ” صرخة الرعب ” لتنهي اللعب ، ثم يبدأ الشعر مجدداً وتعود الكرة من جديد .

يجدر ذكره أن المرأة سابقاً هي من كانت تلعب دور ” الحاشي ” إلا أن هذه العادة اندثرت حالياً وأصبح الرجل يحل محلها ، إلا في بعض الدول العربية المجاورة التي ما زالت محافظة على وجود المرأة في الدحة .

معركة ذي قار وعلاقتها بالدحة

رغب كسرى الفرس يوماً في أن يتزوج هند بنت النعمان بن المنذر بعد أن امتُدِحت له ، وذُكِر له حسنها وجمالها ، فأرسل إلى والدها ملك الحيرة آنذاك ، لكنه رفض ، فاستدعاه كسرى ، فعلِم أنه يدعوه لمقتله ، فأراد النعمان أن يطمئن على بناته وأهله فقصد القبائل يستجير بها ، لكنهم لم يجيروه لعدم قدرتهم على مواجهة كسرى ، حتى وصل بكر بن وائل وكان زعيمها هاني بن مسعود الشيباني الذي أجاره وأمّن أهله وقال له : «هنَّ في ذمتي لا يخلص إليهنّ حتى يخلص إلى بناتي»
وبعد أن ذهب النعمان إلى كسرى لتسليم نفسه امر بربطه ورميه تحت الفيلة ، وبعد مقتله أرسل كسرى إلى هاني بن مسعود أن يسلم أهل النعمان وتركته إليه ، لكن هاني رفض ذلك ، فغضب كسرى وأرسل جيشاً جراراً لتلقين البادية درساً للتاريخ لكسرهم كبرياءه وتحديهم له ، وكان جيش كسرى بقيادة الهامرز .
فما كان من هاني بن مسعود إلا أن استنجد بقبائل العرب إلا أن أغلبهم رفض نجدته بحكم أنها معركة خاسرة ، والتحق به بنو شيبان وبنو عجل وبنو ذهل وكلهم من بكر بن وائل وعنزة بن أسد وجزء من تميم .
كان جيش كسرى كبيراً ومرعباً بعدد جنوده وفيلته ، فرأى العرب أن الحيلة هي خير وسيلة لمواجهة هذا الجيش الجرار ، فاختاروا بطحاء قراقر لمنع الفرس من الماء ، كما اتفقوا على تخويف جيش الفرس وفيلته ، فكانت بكر تناور جيش الفرس يومياً وفي كل ليلة يشعلون نيراناً متعددة أضعاف جيشهم ، ويصدرون أصواتاً كأصوات هدير الجمال وخبطها ، ويهمون الفرس بأن هناك مدداً بجيوش جرارة لا قِبَل لهم بها ، فيسهرون جيش الفرس وفيلتهم وما أن يأتي الصباح حتى تدور المعارك وجيش الفرس قد بلغ مبلغه عطشاً وسهراً وخوفا ، فينقضوا عليهم انقضاض المنتحر ، حتى أبادوهم وشردوهم ، وانتهت المعركة بنصر مؤزر للعرب .

الحفاظ على الموروث .

هنا بدأ بنو وائل يتفاخرون بما أنجزوه من نصر عظيم في يوم العرب ، ليصبح صوت هدير الجمال وزئير الأسود رمزاً يتفاخرون به إلى يومنا الحاضر .
ولتصبح صرخة الرعب فناً من الفنون الشعبية التي تتوارثها الأجيال ، ومفخرة من مفاخر العرب التي صنعتها قبائل وائل .
ولتكون ” الدحة ” رمزٌ لشجاعة العرب وفنٌ من الفنون الشعبية التي حرصت قبائل وائل على المحافظة عليها لتتوارثه الأجيال جيل بعد جيل حتى يومنا الحاضر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى