
أحوال – ليبيا – محمد محمود الشيباني
تشهد ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 حالة من الانقسام السياسي والصراع المسلح الذي أدى إلى تفكك مؤسسات الدولة وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية و يتمحور النزاع الليبي، حاليا، حول حكومتين متنافستين: حكومة في الشرق يقودها المشير خليفة حفتر، وحكومة الوحدة الوطنية في الغرب، يقودها، في الفترة الحالية، عبد الحميد الدبيبة. هذا الصراع المستمر أثر بشكل عميق على ليبيا والمنطقة بأسرها، ولا يزال يعقد إمكانية التوصل إلى حل شامل.
الحكومة الشرقية، التي يقودها حفتر وتتمتع بدعم دول مثل مصر والإمارات وروسيا، تتميز بقوة عسكرية كبيرة وتنظيم أفضل، وتسيطر على مناطق واسعة في شرق ليبيا. بالمقابل، حكومة الوحدة الوطنية في الغرب، و التي تحظى بدعم الأمم المتحدة وتركيا وقطر، تسيطر على العاصمة طرابلس ومؤسسات الدولة الرسمية وتتكون القوات المسلحة التابعة لها من مزيج من القوات الرسمية وبعض الميليشيات المسلحة، التي تُعد بدورها واحدة من أبرز التحديات الأمنية في البلاد.
إن القبائل و الميليشيات المحلية تلعب دورًا مركزيًا في الصراع، حيث تتوزع ولاءاتها بين الطرفين بحسب مصالحها الإقليمية والقبلية وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة ويُعطل جهود تحقيق الاستقرار. من جهة أخرى، يبرز سيف الإسلام القذافي كفاعل سياسي يطمح للسلطة من جديد، متحركًا بين مناطق الزنتان وقبائل الغرب والجنوب، مع وجود توتر واضح بينه وبين قوات المشير حفتر.
تجدر الإشارة إلى أن القتال بين الطرفين ليس يوميًا بشكل مكثف، لكنه مستمر من خلال اشتباكات متفرقة، وتوترات تهدد بانفجار الصراع في أي لحظة، كما حدث في معركة طرابلس 2019-2020. رغم وجود مبادرات حوارية دولية، خاصة برعاية الأمم المتحدة، فإن الانقسامات العميقة والاختلافات في الأهداف السياسية تعيق التوصل إلى اتفاق شامل.
يسعى الطرف الشرقي إلى السيطرة الكاملة على السلطة والموارد الليبية، مع رغبة في استقلالية أكبر، بينما يريد الطرف الغربي الحفاظ على الوحدة الوطنية والشرعية الدولية من خلال حكومة الوحدة الوطنية و هذا التباين في الأهداف هو ما يجعل التوصل إلى حلول سريعة أمراً معقداً.
إن تأثير النزاع الليبي لا يقتصر على الداخل فقط، بل يمتد إلى المنطقة بأكملها. فعدم الاستقرار في ليبيا يفاقم مشاكل الهجرة غير الشرعية، وانتشار الأسلحة، وظهور الجماعات المتطرفة في شمال أفريقيا. كما يؤثر سلبًا على التعاون الاقتصادي والتنمية في دول الجوار.
في ظل هذه المعطيات، يبقى المستقبل السياسي والأمني لليبيا غير واضح، مع احتمال أن يستمر النزاع لسنوات أخرى ويتطلب التوصل إلى حل توافقاً داخلياً واسعاً ودعماً دولياً حقيقياً، وهو أمر لم يتحقق بعد. تحتاج ليبيا اليوم إلى جهود مكثفة لتوحيد مؤسساتها و إعادة بناء جيش وطني موحد، وإرساء الأمن، لتنتقل من حالة الانقسام إلى الاستقرار والتنمية.