الرئيسيةالمحليات

مشهد يأسر الروح ويدعو للتفكر

Listen to this article

أحوال – مكة – عاطف الرفاعي 

بينما كنتُ أتنقل في الطرقات والساحات المؤدية إلى مداخل المسجد الحرام، لفت انتباهي مشهد غريب مألوف في آنٍ معًا: طيورٌ وعصافير خرجت عن عاداتها، تخلّت عن السماء التي وُلدت لتحلّق فيها، واختارت أن تبقى على الأرض، تمشي بين أقدام الزوار بكل اطمئنان، وكأنها وجدت في هذا المكان المقدس أمانًا لا يشبهه أمان.

مشهد يدعو للتأمل، تتجلى فيه معانٍ من السكينة والرحمة والطمأنينة. فالطيور التي عُرفت بابتعادها الفطري عن البشر، تجد نفسها هنا في بيت الله الحرام، في قلب مكة، تتقاسم الساحة مع ضيوف الرحمن. تقترب من أيديهم، تبحث عن الطعام دون خوف، وتدور حولهم وكأنها تحتفل بقدومهم، وترحب بهم بطريقتها الخاصة.

إنه من المألوف أن نرى الطيور تطير، ولكن غير المألوف أن نراها تطمئن إلى هذا الحد، إلى درجة أنها تُفضّل الأرض على التحليق، وتؤثر القرب من عباد الله الذين قصدوا هذا المكان رجاءً ورحمة، وخشيةً ومغفرة.

في هذا المشهد المهيب، تتلاقى الأرواح وتتماهى الكائنات. فكما أن الإنسان يجد في الحرم المكي ملاذًا للسكينة والتجرد من هموم الدنيا، فإن الطيور هنا –بصمتها البليغ– تعبر عن ذلك الشعور نفسه، وتشارك المصلين مساحة الإيمان والرحمة.

فلا عجب أن تثق هذه الكائنات الصغيرة بالزوار، فهم جاؤوا بقلوب خاشعة، ووجوه وقورة، يبتغون رضا الله ويخشونه. وكأن الطيور تميّز هذا النور، فتقف معهم، لا تفرّ منهم، بل تسكن إليهم، وتستظلّ في ظلّ هيبتهم الإيمانية.

إنها لحظة تستحق أن تُوثّق، ليس بعدسات الكاميرا فحسب، بل بعدسات القلوب التي تلتقط المعاني قبل الصور، وتقرأ في المشهد ما هو أعمق من مجرد لقطة عابرة.. إنه تجلٍ من تجليات الطمأنينة التي يزرعها الله في قلوب خلقه، وفي طبائع مخلوقاته.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ماشاءالله تبارك الله التقاطة جميلة تدل على ذكاء المبدع الأستاذ عاطف الرفاعي.
    هذا دليل على مدى ثقافة الإعلامي المتمكن من مادته الإعلامية التي يتحدث عنها بسراحة تعجبني ثقافة هذا الكاتب المتالق..

  2. مكة كلها خير وبركة حتى الطيور تشعر فيها بالهدوء والسكينة .

زر الذهاب إلى الأعلى