شريحة منع الحمل بين التمكين والآثار الجانبية

أحوال – بدر صالح الكناني
في خضم التحولات الطبية المتسارعة، برزت “شريحة منع الحمل” كأحد أبرز الابتكارات في مجال تنظيم الأسرة، مقدّمة للنساء خيارًا طويل الأمد للوقاية من الحمل، دون الحاجة إلى تدخل يومي أو شهري كما هو الحال مع وسائل تقليدية مثل الحبوب أو الحقن.
من الفكرة إلى الواقع
تعود فكرة زرع شريحة تحت الجلد لمنع الحمل إلى أوائل السبعينيات، إلا أن التنفيذ العملي بدأ في أواخر الثمانينيات، عندما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على أول نوع من هذه الشرائح عام 1990 تحت اسم “نوربلانت” (Norplant).
تم تطوير هذه التقنية على يد عالمة الأحياء الهنغارية جيرتا شاتزي، ضمن مشروع دولي برعاية “مجلس السكان” الأمريكي، لتقديم وسيلة فعالة وطويلة الأمد، تسهم في خفض معدلات الحمل غير المرغوب فيه، خصوصًا في الدول النامية.
ما هي شريحة منع الحمل؟
هي شريحة بلاستيكية مرنة وصغيرة الحجم (بطول عود الثقاب تقريبًا)، تُزرع تحت الجلد في الجزء العلوي من الذراع، وتقوم بإفراز هرمون البروجستين بشكل مستمر بجرعات ضئيلة، مما يمنع الإباضة، ويزيد من لزوجة عنق الرحم، فيصعب على الحيوانات المنوية الوصول إلى البويضة.
أشهر الأنواع المستخدمة اليوم:
- إمبلانون (Implanon)
- نيكسبلانون (Nexplanon)
وتمتد فعاليتها من 3 إلى 5 سنوات، حسب النوع.
أهداف ابتكار الشريحة
جاء تطوير شريحة منع الحمل استجابة لحاجة ملحة لدى النساء في مختلف أنحاء العالم، لأسباب متعددة:
- توفير وسيلة فعالة وطويلة الأمد دون تدخل مستمر.
- دعم تمكين المرأة في اتخاذ قرارات الإنجاب.
- تقليل معدلات وفيات الأمهات والأطفال الناتجة عن الحمل غير المخطط له.
- التخفيف من الضغط الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات ذات الكثافة السكانية العالية.
نتائجها في الواقع
بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية:
- تبلغ فعالية الشريحة أكثر من 99%.
- ساعد استخدامها على تقليل معدلات الإجهاض غير الآمن.
- تم اعتمادها في أكثر من 60 دولة ضمن برامج الصحة الإنجابية.
الآثار الجانبية الصحية
ورغم فعاليتها العالية، إلا أن الشريحة لا تخلو من بعض الآثار الجانبية المحتملة، منها:
- اضطرابات في الدورة الشهرية أو انقطاعها كليًا.
- صداع، آلام في الثدي، تقلبات مزاجية.
- زيادة في الوزن أو حب الشباب لدى بعض المستخدمات.
- خطر تجلط الدم نادر لكنه قائم، خصوصًا لدى المدخنات.
الجدل الاجتماعي والديني
أثارت الشريحة جدلًا في بعض المجتمعات، حيث رأى البعض أنها:
- وسيلة تشجع على العلاقات غير الشرعية بسبب غياب الخوف من الحمل.
- أداة قد تُفرض قسرًا على بعض الفئات، ما يُعد انتهاكًا للحرية الجسدية.
في المقابل، يرى مؤيدوها أنها:
- وسيلة تدعم الاستقرار الأسري، وتمنح المرأة حرية أكبر في التخطيط لحياتها.
- أداة مهمة في تقليل الفقر وتحسين نوعية حياة الأسر.
وقد أصدرت هيئات شرعية في عدة دول فتاوى تجيز استخدامها بشروط، منها أن يكون ذلك بموافقة الزوجين وألّا تؤدي إلى ضرر مؤكد.
■ كلمة أخيرة
تمثل شريحة منع الحمل خيارًا مهمًا في مشهد الصحة الإنجابية الحديث، ورغم التحديات الطبية والاجتماعية، فإنها تظل خيارًا يُقبل عليه الملايين من النساء حول العالم. ويبقى القرار الشخصي والتوعية الطبية هما المحور الأهم في تحديد مدى جدواها لكل امرأة.
مشروعية استخدام شريحة منع الحمل.. من جانب شرعي ومؤسسي
من الأمور ذات الأهمية في حياة المسلم – رجلًا كان أو امرأة – النظر في مشروعية استخدام وسائل تنظيم الأسرة، ومنها شريحة منع الحمل. وفي هذا السياق، اطلعنا على ما ورد في: السعوديةhttps://www.moh.gov.sa/awarenessplateform/VariousTopics/Pages/Contraceptive.aspx ضمن موضوع بعنوان:
وسائل منع الحمل، حيث تناولت الوزارة في مقدمة الموضوع أنواع وسائل منع الحمل، ومنها:
“الغرسات (الشرائح): وهي عبارة عن قطعة صغيرة رفيعة بحجم عود الثقاب، تُغرس في الذراع بواسطة الطبيب، وتُطلق هرمونات لمنع الحمل، ويمكن أن تستمر فعاليتها حتى ثلاث سنوات. وتحتوي على هرمون البروجسترون فقط”.
انطلاقًا من هذا التعريف، يتضح أن الوزارة لم تُدرج الشرائح ضمن الوسائل المعتمدة إلا بعد اعتمادها طبيًا وشرعيًا، ويدل ذلك على وجود رأي شرعي معتبر يجيز استخدامها للمتزوجين في حال الحاجة إليها، وضمن الضوابط المقررة.
وفي موقع الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودي، وتحديدًا تحت عنوان: [موانع الحمل]، نُشرت صورة توضيحية تشمل (14 نوعًا من وسائل منع الحمل)، من بينها: غرسات منع الحمل (الشريحة)، مما يعزز دلالة اعتمادها رسميًا كممارسة طبية مشروعة في السعودية.
ورغم أن هذه التقنية تُعد من الوسائل الحديثة، بل وقد تتطور مستقبلًا إلى شرائح إلكترونية قد تتداخل فيها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلا أننا على ثقة أن وزارة الصحة – بما لديها من إمكانيات بشرية وتقنية متقدمة – تسبق التحديات بالتنظيم والمراقبة والضوابط الشرعية.
توثيق شرعي:
وقد صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عدد من الفتاوى التي تُجيز تنظيم النسل بالوسائل الحديثة، بشرط أن يكون الاستخدام بعلم الزوجين ورضاهما، وألا يُسبب ضررًا صحيًا مؤكدًا، وألا يكون على وجه التأبيد.
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (الفتوى رقم 2113):
“لا مانع من استعمال المرأة حبوب منع الحمل أو اللولب أو غيرهما من موانع الحمل المؤقتة إذا قرر الأطباء المختصون عدم الضرر، ورضي الزوجان بذلك”.
وبناء عليه، فإن استخدام الشريحة – ضمن هذا الإطار – مجاز شرعًا، إذا توافرت الشروط الطبية والزوجية، ولم يترتب عليه ضرر محقق.