الرئيسيةالمحليات

محاضرة توثق بدايات مشروع تحلية المياه في السعودية

Listen to this article

أحوال – الرياض – محمـد قرهم :

نظم مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الذي يتخذ من العاصمة السعودية مقراً له أمس محاضرة للباحث مايكل كريستوفر لو تحت عنوان ” أمير الماء” بحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، والمهندس شارخ الشارخ نائب رئيس هيئة المياه للشؤون الفنية والمشروعات، والمهندس عبدالعزيز الشيباني وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة، وعدد من المسؤلين والمهتمين.

وبيّن الباحث أن الأمير سرعان ما انتقل من مرحلة الأفكار الجريئة إلى العمل المؤسسي، حيث دأب على إقناع والده الملك فيصل رحمه الله والجهات المعنية لإطلاق مشروع شامل للتحلية لا يقتصر على شراء محطات صغيرة جاهزة. وقد أثمرت جهوده عن إبرام اتفاق مهم في منتصف الستينيات لإنشاء محطة مزدوجة لإنتاج المياه والكهرباء في مدينة جدة، اعتُبر حينها نقطة تحول في مسيرة معالجة العطش، كما شكّل خطوة أولى لبناء استراتيجية وطنية متكاملة في هذا المجال.

ولفت مايكل كريستوفر لو إلى أن دور الأمير محمد الفيصل لميقتصر على التنسيق الدبلوماسي في مشاريع المياه، بل تعزّزحين تولّى مسؤولية إدارة تحلية المياه بوزارة الزراعة والمياه، التي شكلت النواة الأولى للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، وتمثلت أنجازاتها في إطلاق أولى محطات التحلية الحديثة في مُدن: (الوجه، وضبا، وجدة، والخبر)، وتأسيس برنامج وطني متكامل لتحلية مياه البحر. ومع إنشاء المؤسسة بموجب مرسوم ملكي عام1974م، واصل الأمير قيادة المشروع بتحويل التحلية من مبادرات محدودة إلى صناعة وطنية استراتيجية، فأنشأ محطات كبرى على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، وربطهابشبكات تنقل المياه إلى المدن الداخلية، مما أسهم في تحسين نوعية الحياة وتلبية احتياجات النمو السكاني المتزايد. وأكدالباحث أن هذه الجهود أرست الأساس الذي جعل المملكة لاحقًافي موقع الصدارة عالميًّا في إنتاج المياه المحلاة، وهو إنجازيرتبط مباشرة بالرؤية المبكرة التي تبناها الأمير محمد الفيصل.

كما أضاف أن إسهامات الأمير لم تقتصر على البنية التحتية فحسب، بل شملت أيضًا بناء كوادر وطنية قادرة على إدارة وتشغيل وصيانة المحطات. فقد كان يؤمن أن التكنولوجيا المستوردة لا تكفي، وأن الاعتماد على الكفاءات السعودية هو الضمان الحقيقي لاستمرارية هذه الصناعة. ومن هنا حرص على تشجيع برامج التدريب والتأهيل، وعلى نقل الخبرة إلى جيل جديد من المهندسين والفنيين.

وركّز الباحث على أن اهتمام الأمير بالماء لم يكن منفصلًا عن رؤيته الشاملة للتنمية، إذ كان يعتبر المياه ركيزة أساسية لا يمكن أن ينهض أي قطاع من دونها، سواء في الزراعة أو الصناعة أو الإسكان. ومن هنا ارتبط اسمه بلقب “أمير الماء”، الذي أُطلق عليه تقديرًا لريادته في تحويل أزمة العطش إلى فرصة للتقدم، وتأكيدًا على أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني.

وتوقف مايكل كريستوفر لو كذلك عند الجانب الإنساني في شخصية الأمير محمد الفيصل الذي ظل يذكّر من حوله أن الماء حق للجميع، وأن المسؤولية تقتضي ضمان وصوله إلى كل بيت بصرف النظر عن التكاليف. وقد نقل عنه قوله إن توفير الماء النقي للمواطنين لا يقل أهمية عن أي إنجاز اقتصادي أو مالي، بل هو الأساس الذي تقوم عليه الحياة الكريمة. هذه القناعة جعلته يتعامل مع مشروعات التحلية كقضية وطنية في المقام الأول، وليست مجرد استثمار تقني أو مالي.

وشدّد الباحث على أن إرث محمد الفيصل في مجال المياه سيظل حاضرًا في مسيرة المملكة، ليس فقط باعتباره سجلًّا منجزًا في قطاع التحلية، وإنما أيضًا بوصفه درسًا في أن الجرأة على التفكير والالتزام بالعمل يمكن أن يحوّلا التحديات الكبرى إلى إنجازات راسخة. ومن هنا فإن لقب “أمير الماء” لم يكن وصفًا عابرًا، بل شهادة على مسيرة رجل أدرك مبكرًا أن الماء هو أساس الوجود، وأن الاستثمار فيه هو استثمار في مستقبل الأوطان.

وفي ختام المحاضرة، شهدت القاعة مداخلات من عدد من المختصين والمسؤولين، من بينهم المهندس شارخ الشارخ نائب رئيس هيئة المياه للشؤون الفنية والمشروعات، والمهندس عبدالعزيز الشيباني وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة، والدكتور خالد باطرفي، والدكتور يحيى محمود بن جنيد؛ تناولت في مجملها التطورات التقنية في مجال تحلية المياه.

وجهود المملكة في تعزيز استدامة مواردها المائية ورفع كفاءة مشروعاتها، والتقدير لدور الأمير محمد الفيصل. كما تطرقت المداخلات إلى أهمية الشراكات الدولية، وتبنّي التقنيات الحديثة في تحقيق الأمن المائي، مؤكدين أن تجربة المملكة تمثل نموذجًا عالميًا يجمع بين الابتكار والاستدامة في إدارة الموارد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى