
أحوال – متابعات – عبدالله القرشي
في ليلة كروية خالدة بالعاصمة التشيلية سانتياغو، كتب المنتخب المغربي تحت 20 عامًا فصلًا جديدًا في تاريخ كرة القدم الإفريقية والعربية، بعدما تغلّب على المنتخب الأرجنتيني 2-0 في نهائي كأس العالم للشباب. لم يكن الانتصار وليد المصادفة، بل ثمرة عمل تكتيكي منضبط وتنظيم ميداني متكامل جسّد هوية “أسود الأطلس” الجديدة.
البداية المغربية والضغط العالي
منذ الدقائق الأولى، أظهر المنتخب المغربي شجاعة تكتيكية لافتة، باعتماده على ضغط عالٍ مفاجئ أربك الأرجنتين، التي لم تتوقع أن تواجه منتخبًا بهذه الجرأة. تمركز لاعبو المغرب بشكل مثالي بين خطوط الخصم، ما جعل عملية البناء من الخلف شبه مستحيلة على الأرجنتينيين.
الزابيري.. نجم المباراة ورجل اللحظة
اللاعب ياسر الزابيري كان الاسم الأبرز في النهائي، بعدما وقّع على هدفي اللقاء بأسلوبين مختلفين، يعكسان ذكاءه الفني وقدرته على الحسم. هدفه الأول من ركلة حرة في الدقيقة 12 كشف عن مهارة تنفيذ عالية وثقة كبيرة، بينما جاء الثاني من جملة جماعية منظمة بدأت من وسط الميدان وانتهت بتمريرة ساحرة من عثمان معما، أودعها الزابيري الشباك بلمسة هادئة في الدقيقة 29.
هذا الأداء جعل الزابيري ينضم إلى نخبة من اللاعبين الأفارقة الذين تألقوا في نهائيات كأس العالم للشباب، ليكتب اسمه إلى جانب نجوم كبار سبقوه، ويعزز مكانته كأحد أبرز المواهب الصاعدة في القارة السمراء.
🔹 التنظيم الدفاعي والروح الجماعية
رغم أن الأرجنتين استحوذت على الكرة بنسبة تجاوزت 75%، فإن الاستحواذ لم يتحول إلى خطورة حقيقية، بفضل الانضباط الدفاعي المذهل للمغاربة. الثنائي في قلب الدفاع، بقيادة سامي أيت بوسنينة وسفيان المودن، كان صلبًا في التعامل مع الكرات الهوائية، بينما لعب الظهيران دورًا مزدوجًا بين الدفاع والارتداد السريع للمساندة الهجومية.
الحارس إبراهيم غوميز بدوره كان في قمة تركيزه، خصوصًا في التصدي لانفراد ماتيو سيلفيتي في نهاية الشوط الأول، وهي اللقطة التي حافظت على ثبات الفريق وكسرت الإيقاع الأرجنتيني المتصاعد.
🔹 قراءة المدرب المغربي للمباراة
المدرب المغربي قدّم درسًا تكتيكيًا في إدارة المباريات الكبرى. بعد التقدّم بهدفين، لم يتراجع الفريق بشكل مفرط إلى الخلف، بل حافظ على توازنه وضغطه الذكي في منتصف الميدان، مما حرم الأرجنتين من الوصول المريح إلى الثلث الأخير. كما أجرى تغييرات محسوبة في الشوط الثاني حافظت على اللياقة والانسجام، خصوصًا بإشراك لاعبين يجيدون افتكاك الكرة وتمريرها بسرعة.
🔹 البعد التاريخي والرسالة الإفريقية
فوز المغرب لا يُعد إنجازًا كرويًا فقط، بل خطوة رمزية تمثل نضج الكرة الإفريقية والعربية في الفئات السنية. بعد غانا عام 2009، يأتي المغرب ليؤكد أن التطور الفني والبنية التحتية والاهتمام بالمدارس الكروية بدأت تؤتي ثمارها.
بهذا التتويج، فتح المغرب صفحة جديدة في تاريخ كرة القدم الإفريقية والعربية، مؤكدًا أن جيل المستقبل قد وُلد بالفعل.



