مقالات

الله يحميكي .. من يد الميكانيكي

Listen to this article

بخيت طالع الزهراني

.

ذات صباح لفتتني على أحد الجسور المنصوبة فوق جسد طريق رئيس بجدة، هذه العبارة: (الله يحميكي .. من يد الميكانيكي) .. والتي كانت تحتل مساحة كبيرة على مؤخرة سيارة نصف نقل.

و(يحميكي) بهذا الشكل خطأ لغوي، وصوابها (يحميكِ) تُحذف الياء الأخيرة، وبدلًا عنها توضع كسرة تحت الكاف.

المهم …..

 أن كتابة الأشعار والحكم على السيارات، وخصوصا الشاحنات، و”الوانيتات” ودبابات الأربع عجلات، والثلاث عجلات أو التوك توك، حكاية قديمة – وقديمة جدًا .. رأيتها منذ هجرتي إلى المدينة قبل عقودٍ من الزمن، وإن كانت – في الواقع – أقدم من ذلك التاريخ بكثير.

.

ولا يظنن أحد أن هذه المسالة خاصة بنا نحن العرب، فتلك الموضة – إذا صح أن نسميها موضة – منتشرة في بلاد الله الواسعة، بدءًا من ديار الفرنجة، ثم في شبه الجزيرة الهندية، وفي أفريقيا، وربما في كل صقع وناحية من الأرض.

.

واللافت أن بعض العبارات فكاهية كوميدية مضحكة، وأخرى اعتباطية .. وبعضها الآخر تراجيدية مؤلمة، لما تنطوي عليه من معاناة صاحبها .. وثالثة تفاؤلية مبهجة، وهناك الغزلية التي تعبر عن الحب والهيام .. وغيرها حكم وأشعار مشهورة تتردد كثيرًا، لما فيها من بلاغة معنى وايجاز قول.

.

والواقع أن ثمة من يرى أن الكتابات على السيارات حرية شخصية ما لم تكن متعدية، وغيرهم يرى أنها مخالفة للذوق العام وقوانين السير، وآخرون يعدونها ضربا من الاسقاط، ومن سوء التصرف، تعكس شخصية كاتبها وقيمه …. إلى آخر ما هنالك من رؤى حولها.

.

ومن طرائف ما كتب بحسب متابعاتي …. (انتبه – السائق تحت التدريب) ..  (حتى هدف حياتي – طلع تسلل) .. (وراء كل رجل مديون – امرأة)  .. (يا بابا – لا تسرع ماما بتتزوج غيرك) .. (من جد وجد – ومن تخرج قعد) .. (أهم شيء أمي والا أنتم آخر همي) .. (لا تزمر وراي – شايفك بالمراي) …  

وعلى أحدى الشاحنات الضخمة جاء مكتوبًا (احترام الكبير – واجب) …. إلى ما هنالك من كتابات أخرى لافتة.

.

قد يقول قائل إن تلك الممارسة الكتابية، ماهي سوى نوع من “الفضفضة” والتعبير عن مكنونات النفس، قبل أن تتوفر وسائل التواصل الرقمية، والتي منحت مساحات عريضة كافية، لكل من أراد أن يعبر عن دواخله من مشاعر، ثم يبعث بها للناس.

موقفي الشخصي، أنني لا أرتاح لتلك الممارسة، ولم أتعاطاها يومًا، وظلت بيني وبينها مسافة كبيرة.

.

وأخيرًا … أحسنت الجهات الرسمية – المرور – في تخطئتها، بل وتغريم مرتكبيها، وكذلك طال التحذير من يغير من شكل المركبة بأية دهانات لأي مناسبة.

ولهذا فإنني أظن أن تلك “الموضة”، بدأت تنحسر، للأسباب السابقة أعلاه.

وأيضًا للتطور النوعي للوعي العام، وللتحولات المجتمعية، ما ساهم كثيرًا في انطفاء معظم أورها. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى