استمعت أنا وابنتي لمقطع للشيخ الطنطاوي في برنامج على مائدة الإفطار يقول فيه : ” صرت بضاعة قديمة ، فإذا زهدتم بي فالحق معكم ! أم مليتم فالحق معكم ! فأنا أعذركم ! فأنا أحدث في الإذاعة أكثر من خمسين عاما .الناس ملوا مني ” .
فقلت لابنتي : لا يعلم أننا نستمتع بسماع صوته الآن حتى بعد وفاته ؛ لأنه يذكرنا بأيام جميلة عشناها برفقة من نحب ومع من نحب ، تلك الأوقات التي كانت تجمعنا على مائدة الإفطار في رمضان بصحبة برنامجه ، وسماع أحاديثه ووعظه وقصصه ، نقشت لها في ذاكرتنا ذكريات نستطيب باسترجاعها عند سماع صوته ، معتقة كرائحة العود ، كلما قدم غلا عطره !
وكذلك كل شيء جميل ارتبط بمخيلتنا من طفولتنا ،نستمتع باسترجاعه ، ونعشق أدق التفاصيل التي عايشناها في طفولتنا من أشخاص وأماكن وألعاب وحكايات …
قالت لي ابنتي : أراك يا أمي تعشقين الماضي ، وتعشقين طفولتك رغم أنكم عشتم في جيل لا توجد به ألعاب إلكترونية ولا جوالات ، دائمًا تقولين كان وكان وكان … وتتحدثين عن الماضي !
فقلت لها : لكل “ كان “ مكان في خلدنا جميل كان أم حزين , كل “ كان “ له مكان , عندما أقول “ كان “فأنا أسترجع ما ” كان “ , أعشق تلك الذكريات والأماكن التي تعود بي للبدايات من كل شيء .
كل شيء جميل له بداية ، وكل نقطة في آخر الجملة بدأت بحرف ،.
بدأنا كالنبتة التي مدت جذورها في القاع متشبثة بجوف الأرض ، وساقها يعلو السماء وتداعبه الرياح ، وكل إنسان له جذور نشأ وترعرع منها ، لا يستطيع نسيانها ولا تخطيها ، وأجزم أننا استمتعنا في طفولتنا أكثر من جيلكم ؛ فكنا نصنع ألعابنا بأيدينا ،
ونتعاون مع بعضنا البعض ؛ أنا وإخوتي حتى نصنع الفرحة والسعادة من أبسط الأشياء الموجودة حولنا .
قالت : حدثيني عن ألعابكم .
فقلت لها : ألعابنا جزء منا ومن تراثنا وماضينا الجميل المتجدد الذي يحيا ويزهر في ذاكرتنا ، ليس للملل مكان في قلوبنا ، والوقت له قيمته ؛ فكنا نعود من المدرسة وننجز مهامنا وواجباتنا حتى يسمح لنا باللعب ، ويكون وقت العصر هو وقت الترفيه والتسلية، وإذا سمعنا أذان المغرب نعود للمنزل ونجهز أنفسنا بعد تناول العشاء ونستعد للنوم ، ونصحو مبكرًا بكل حماس ونشاط ، وننتظر الحافلة مع بنات الجيران أمام المنزل ، وفي ذلك الوقت نستغل الدقائق للعب .
ونلعب لعبتنا المعتادة كل صباح :
صبحكم الله بالخير يالعمال العمالية “ “
فضحكت وقالت : ما هذه اللعبة ؟
قلت له : ننقسم لقسمين كلا حسب دوره هذه هي الأهازيج :
صبحكم الله بالخير يالعمال العمالية
مسَّاكم الله بالخير يالعمال العمالية
جينا نخطب بنتكم الحلوة والجميلة
والله ما تاخذوه إلا بألف ومية
وننزل على دياركم ونكسر أبوابكم وهذه عروستنا
ويتم اختيار إحدى المشاركات من الفريق الأول وتنضم للفريق الثاني .
وكنا نلعب لعبة جميلة جدًّا اسمها المقطار ؛ ولهانوعان : مقطار ” أبو تسعة ” و
مقطار ” أبو أربعة “ ويتكون مقطار ” أبو أربعة “ من لاعبين ؛ حيث نرسم على الرمل مربعا ونقسمه من الداخل أربعة مربعات صغيرة ، وتكون في يد كل لاعب ثلاثة أحجار أو أعواد ، وعلى كل واحد أن يلتزم بدوره ، والفائز يجب أن يضع ثلاث نقاط بخط مستقيم سواء بشكل عمودي أو أفقي .
ومقطار ” أبو تسعة” عبارة عن : مستطيل يرسم بطريقة هندسية بحيث يحوي ثلاثة مربعات ، ويقسم كشبكة العنكبوت من الداخل ، ويجمع الفريق الأول مجموعة من القطع الصغيرة ؛ مثل : الحصى الصغيرة ، أو القطع الخشبية ، وكل واحد منهم يحمل تسع قطع وتكون مختلفة اللون أو الشكل ، تبدأ اللعبةباختيار أحد اللاعبين بوضع قطعة واحدة ثم يبدأ اللاعب الثاني بعده ، وهكذا واحد واحد … يكون الفوز على اللاعب المنافس والتغلب عليه إذا قمت بجعل ثلاث قطع من النوع الذي تستخدمه على نفس العمود ( أفقي أو عمودي ) بعد حصول اللاعب على ثلاث قطع تؤخذ قطعة من قطع اللاعب المنافس وتوضعفي المربع الصغير في الوسط ، تستمر اللعبة بهذه الطريقة حتى لا تبقى مع المنافس إلا قطعتان فقط .
ونلعب لعبة “ طاق طاق طاقية ” وتحتاج هذه اللعبة من خمسة إلى ستة أشخاص ، حيث يرددون : “طاق طاقطاقية ، رن رن يا جرس “
ويتشكلون على شكل حلقة ، وتخرج واحدة من خلفهم تدور حولهم وبيدها منديل أو طاقية تضعها خلف واحدة منهن ، وتقوم الأخرى التي أمسكت بالطاقية باللحاق بها ، وإذا أمسكتها تأتي مكانها .
ولعبة ” حجيلا “ وتسمى في المنطقة الغربية ( بالبربرة) ، وهي واحدة من أبرز ألعاب الفتيات في ذلك الوقت، وفيها فوائد حركية وذهنية ورياضية ؛ حيث تحتاج إلى تركيز ومرونة وسرعة في القفز ، وتعتمد على القفز من مربع إلى آخر أثناء رفع أحد الأقدام ، بحيث ترمي اللاعبة حجرًا على المربع الأول وتقفز إليه ومن ثم تدفع الحجر إلى مربع آخر بقدمها بالترتيب إلى أن تعود إلى نقطة البداية ، بشرط عدم رمي الحجر خارج صندوق المربعات .
لعبة شد الحبل :
أصبحت لعبة شد الحبل من أكثر الألعاب المنتشرة في العالم أجمع ، وهي من أكثر الألعاب الشعبية المعروفة منذ القدم ، وتعتمد على إنشاء فريقين يقوم كل منهما بشد الآخر إليه عن طريق حبل متين غير قابل للقطع ، والخاسر هو من لا يستطيع الثبات في مكانه …
لعبة صقلة :
عبارة عن خمسة مصاقيل ؛ وهي أحجار مدورة صغيرة بحجم حبة الكستناء ، وتمارس هذه اللعبة من خلال لاعبين ، ولها خمس مراحل :
المرحلة الأولى : تسمى السبت ؛ بحيث يرمي الحصوات عاليًا ويلتقط الحصوات وحدة تلوى الأخرى دون أن تسقط .
المرحلة الثانية : تسمى الاثنين ؛ بحيث يعمل كما عمل في الأولى يرمي حصى للأعلى ويلتقط حصاتين من الأرض .
المرحلة الثالثة : يلتقط ثلاث حصوات مع بعضها ، بعد رفع واحدة للأعلى ..
المرحلة الرابعة : هي الخال ؛ بحيث يرمي الحصى عاليا وبعدها يجب أن تستقر على كف يده .
المرحلة الخامسة: تسمى الأم ، وهي الأخيرة ، ويقوم اللاعب بوضع يده على شكل مرمى والأخرى يلتقط بها الأحجار ويدخلها المرمى .
لعبة “ حق البيبسي ” :
حيث يضع كثيبًا من الرمل ، ويجلب أي علبة فاضية ليملأها رملاً إلى المنتصف ، ومن ثم يشقلب العلبة ،وإذا استقرت على الكثيب يعد فائزًا .
لعبة الغمة أو الغميضة :
وفيها تغلق عين أحد المتسابقين بقطعة قماش أو غترة وذلك لمنعه من الرؤية ، ويقوم بالبحث عن بقية المتسابقين الذين يقومون بالاختباء ، مصدرين أصواتًا تربك حركته فإذا استطاع الإمساك بأحدهم يحل محله في البحث .
لعبة الدندينة :
حيث يستعينون بعصا طولها متر تقريبًا ، أو خشبة ويضعون بطرفها أغطية علبة حديد , ومن ثم تُثبَّتبمسمار على الخشبة ، وبعد ذلك يدفعونها بالعصا فتصدر صوتًا ودندنة خلال لعبهم به ، وتصبح مثل الدراجة يقودونها .
لعبة النبيلة :
تصنع لصيد الحمام والعصافير بحيث تصنع من حديدة على شكل حرف :
(Y)
ثم نقوم بوضع المطاطات على شكل ضفيرة ، وتوضع في منتصفها قطعة من البلاستيك أو الجلد ، وعند استخدامها توضع حصاة في قطعة الجلد وتسدد نحو الهدف .
وأيضا هناك طريقة أخرى لصيد العصافير بحيث نعمل مصيدة من الكرتون المرتكز على قطعة خشب وداخله طعم من الحب أو الأرز، ويتم ربط الخشبة بخيط ومراقبة الهدف إذا اقترب ودخل المصيدة نقوم بسحب الخشبة ليدخل في الكرتون..
” فتحي يا وردة “ ومن ألعاب الفتيات المشهورة
حيث تتحلق مجموعة من الفتيات ممسكات بأيدي بعض ، ويتشكلون كالوردة التي تتفتح وتتسكر ، وينشدون : فتحي يا وردة . سكري يا وردة .
و الكيرم :
هي واحدة من الألعاب الشعبية القديمة ، والتي لا زالت منتشرة حتى يومنا هذا ، وهي عبارة عن لوح خشبي مربع الشكل يتكون من أربعة ثقوب ، أقصى عدد للاعبين هو 4 أشخاص يجب عليهم في اللعبة اتباع القواعد الأساسية لها ، وفهمها جيدًا قبل البدء باللعب .
وهناك ثلاثة أنواع لأقراص الكيرم ، ولكل قرص نقطة مختلفة عن الآخر : «الحمراء» = 50 نقطة ، “السوداء“ = 5 نقاط ، والخشبية تساوي 10نقاط .
والمضراب : هو الذي تضربه بأصبعك وتوجهه نحو “الحبوب “.
والخمسون “الوردية“ لابد من إدخالها بالثقب ، ويتبعها بأي لون أسود أو أصفر ،
وأكثر اللاعبين نقاطًا هو الفائز .
ويستخدم النشاء على الخشب ؛ لتسهيل رمي المضراب .
والآن هل ما زلت تلومني على كلمة “كان” هذه الكلمة تطبطب على مشاعرنا عندما نتحدث بها عن ماضينا وطفولتنا..
دائما يا ابنتي اجعلي لك رصيدًا من الذكريات الجميلة، وحاولي جاهدة أن تصنعي لك تاريخا شامخا تفتخرين باسترجاعه فأنا اليوم احكي لك عن ماضينا وأنت غدًا ستحكين لأبنائك عن ماضيك.
كوني آسما على مسمى واجعلي لك من اسمك نصيبا فأنت الغيث إذا وقع نفع أسميتك الديم فأنت أمطرت حياتي بالسعادة بقدومك..
أسأل الله لك ولبنات جيلك ماضي وحاضرًا جميلًا مثل الديم .
