قصة صاحب الجنتين

عاش رجلان معاً بنفس القرية متلازمين ، كان أحدهما قد ابتلاه الله سبحانه وتعالى بقلة الرزق وضيق العيش بخلاف صاحبه الثاني الذي أوسع له في رزقه ورزقه سبحانه وتعالى بأموالٍ كثيرة وبسطة في كل شيء.
كان الرجل الأول قد أنعم الله سبحانه وتعالى عليه بالإيمان واليقين بقلبه، فملك الرضا بما قسمه الله له واليقين بقضاء الله وقدره فيما قسمه له، وأن كل ما يأتيه من خالقه فإنما هو الخير بعينه؛ وصاحبه كان عكسه تماماً فقد كان كافراً وابتلاه الله بالأموال لينظر أيشكر نعمه عليه أم يكفر ويجحد بما آتاه الله من فضله العظيم.
لقد أنعم الله على الرجل الثاني فاحش الثراء بجنتين وكان قد فجر خلالهما نهراً، وعلى الرغم من خصه بهذا الفضل إلا إنه كان متكبرا مغرورا بما آتاه الله من عنده، فلم يحمد الله ولم يشكره يوما على نعمه، بل كان دائم النكران والجحود، ولم يخرج صدقة يوما ولم يعن أي محتاج.
وبيوم دخل الرجل الثري جنتيه وكان معجب بهما للغاية، فقال: “إنهما جنتان دائمتان للأبد، ولن تهلكان أبداً؛ ليس هناك بعث ولا دار آخرة كما يعتقد البعض، وليس هناك أي جنان باستثناء هاتين الجنتين”.
لاحظ صديقه الفقير المؤمن المخلص في إيمانه بربه مدى تكبره وتجبره وبطره الذي وصل إليه، فدعاه للرجوع إلى الله وحده لا شريك له، والكف عن كل هذا الغرور والتكبر الذي أصابه.
دعاه صاحبه للاعتماد على الله وحده في مسألة الرزق وكل الأمور وليس على جنتيه، وأن يقول في نفسه عند دخوله جنتيه: “ما شاء الله، لا قوة إلا بالله”.
كما أنه عندما رأى منه إصراراً على أفعاله حذره من عاصفة تأتي على جنتيه فتسحقهما سحقاً، أو يتعكر ماؤهما فتفسدا ولا تصلحا للزراعة مجددا؛ لكن صاحبه المغرور صد عن كلامه، نهره عن نصحه وأخبره بإصرار أنه لا يؤمن من الأساس بوجود يوم للحساب ولا العقاب.
نزلت الصاعقة على الرجل الفقير المؤمن بربه من حديث صاحبه، فسأله: “أتكفر بالله الذي خلقك من تراب، وأنعم عليك بنعمه ظاهرة وباطنة؟!”
في صباح اليوم التالي ذهب الرجل الغني كعادته لجنتيه، وعندما وصل لهما نزلت عليه الصاعقة فقد وجد أن جنتيه قد تحولتا لخراب، فالأوراق قد جفت، والثمار تساقطت، أما مياه النهر فقد جفت ولم تعد موجودة من الأساس!
قال تعالى في كتابه العزيز بسورة الكهف: “وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا، هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” صدق اللــــــــــــــه العظيم.