
أحوال – محمد صالح الزهراني .
بريدة.. عاصمة التمور العالمية ومهوى قوافل التجارة منذ 140 عامًا
في قلب الجزيرة العربية، وتحديدًا على طريق الملك عبدالعزيز في مدينة بريدة، ينبض أحد أكبر الأسواق الزراعية في العالم بحياة لا تهدأ كل صيف، إنه كرنفال تمور بريدة، أضخم مهرجان سنوي للتمور على مستوى العالم من حيث حجم المبيعات وتنوع الأصناف.
هذا السوق التاريخي لم يأتِ من فراغ، فقد سجّل حضوره العريق منذ قرون، ووثّقه الرحالة العرب والغربيون في مؤلفاتهم، ومنهم الرحالة الفرنسي “شارل هوبير” الذي زار المنطقة قبل 140 عامًا، وقال في كتابه رحلة في الجزيرة العربية الوسطى (1878-1882):
“إن بريدة مركز تجاري كبير لا يعرف ذروة ازدهاره إلا بعد موسم حصاد التمور، حيث تنتشر خارجها آلاف الخيام لقبائل البدو القادمة للتزود بالتمر والحبوب والأقمشة”.
واليوم، يتجاوز حجم مبيعات كرنفال التمور في بريدة 3.2 مليار ريال سعودي سنويًا، مستعرضًا أكثر من 30 صنفًا من أجود أنواع التمور، مثل السكري والخلاص والصقعي والمجدول.
وإلى جانب ألقه الاقتصادي، يعكس المهرجان التزام المملكة بتحقيق مستهدفات رؤية 2030 عبر تنويع مصادر الدخل، وجعل المملكة المصدر الأول عالميًا في إنتاج وتصدير التمور.
لقد باتت بريدة، بكل فخر، عاصمة التمور التي تمزج بين عبق التاريخ وحداثة التسويق، وتفتح أبوابها كل عام لآلاف الزوار والمستثمرين من داخل المملكة وخارجها.
مهرجان بريدة للتمور.. حاضنة اقتصادية وتراثية منذ أكثر من 20 عامًا
تُعد منطقة القصيم موطنًا لأجود وأقدم أنواع النخيل في شبه الجزيرة العربية، وتُشكّل التمور فيها عمقًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ضاربًا في جذور التاريخ، حيث تنتشر آلاف المزارع التي تنتج أجود أنواع التمور، وعلى رأسها: السكري، والخلاص، والصقعي، والونانة، والشقراء، والبرحي، والمجدول، والحوشانة، وغيرها من الأصناف التي تحمل قيمة غذائية واقتصادية عالية.
ومن هذا الإرث الزراعي العريق، وُلد مهرجان بريدة للتمور قبل أكثر من عقدين، ليكون أكبر سوق موسمي للتمور في العالم، من حيث حجم المبيعات اليومية، وتنوع الأصناف، وعدد المزراعين والمستهلكين والمستثمرين المشاركين فيه.
وقد انطلقت أولى دوراته في شكله المؤسسي المنظّم في عام 2001م، وتطوّر على مدى السنوات ليغدو منصة اقتصادية، تراثية، وسياحية متكاملة، تعكس هوية القصيم الزراعية، وتواكب الرؤية الوطنية في دعم القطاعات الإنتاجية.
تنظيم ورعاية
لعله من المناسب أن نشير الى دعم أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود لهذا المهرجان.. حيث ينظَّم المهرجان حاليًا باشراف سموه وبالتعاون بين المركز الوطني للنخيل والتمور ووزارة البيئة والمياه والزراعة، وتحت إشراف مباشر من إمارة منطقة القصيم، – كما أسلفنا – التي ترعى الحدث سنويًا وتدعمه إداريًا ولوجستيًا، ويُقام مطلع شهر أغسطس من كل عام في “مدينة التمور” ببريدة.
بيئة استثمارية متكاملة
لا يُعد مهرجان التمور في بريدة مجرد سوقٍ زراعي؛ بل حاضنة اقتصادية متكاملة تستقطب آلاف المزارعين، والتجار، ورواد الأعمال من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج.
وتتحول ساحاته إلى مركز نابض للتبادل التجاري، حيث تتوفر فرص متعددة تشمل:
- بيع وشراء التمور بالجملة والتجزئة
- التغليف والفرز والتبريد والتخزين
- تقديم خدمات لوجستية مثل النقل والتوصيل
- بيع العبوات والمستلزمات البلاستيكية والكرتونية
- عقد صفقات تصديرية مع شركات محلية ودولية
العائد الاقتصادي
يُحقق المهرجان سنويًا عائدًا اقتصاديًا كبيرًا لمزارعي التمور، حيث يُساهم في تسويق ملايين العبوات، ويُمكن المزارعين من بيع منتجاتهم مباشرة دون وسطاء، ما يعزز من قدرتهم على التوسع والإنتاج.
ويقدّر حجم التداول اليومي للسوق في بعض المواسم بما يتجاوز 25 مليون ريال يوميًا، مع تداول يفوق 300 ألف عبوة تمور يوميًا في ذروة الموسم.
أسعار التمور سنويًا
تتفاوت أسعار التمور في المهرجان من عام لآخر وفقًا للعرض والطلب، وجودة المحصول وظروف المناخ. وفيما يلي لمحة تقريبية عن متوسط أسعار بعض الأصناف في السنوات الأخيرة:
السنة | السكري الفاخر (كرتون 3 كجم) | الخلاص | الصقعي | المجدول |
---|---|---|---|---|
2020 | 60 – 100 ريال | 50 – 80 ريال | 40 – 70 ريال | 80 – 150 ريال |
2021 | 70 – 120 ريال | 55 – 85 ريال | 45 – 75 ريال | 90 – 160 ريال |
2022 | 80 – 130 ريال | 60 – 90 ريال | 50 – 80 ريال | 100 – 170 ريال |
2023 | 75 – 110 ريال | 55 – 85 ريال | 45 – 75 ريال | 95 – 160 ريال |
مايجب أن يشار إليه ان الأسعار تتغير يوميًا حسب الجودة والمنافسة.
إرث يتجدّد
لا يُمثل المهرجان مجرد مناسبة تسويقية موسمية، بل هو كرنفال تراثي وتجاري وثقافي يعكس هوية القصيم الزراعية، ويُسهم في نقل الموروث الزراعي إلى الأجيال الجديدة، عبر الفعاليات المصاحبة من معارض، وجلسات توعوية، وعروض حية لتعبئة وتغليف التمور، إلى جانب المشاركات النسائية والحرفية.