
أحوال – النماص – فاطمة الشهري
مع انقضاء أيام الصيف الطويلة، يبدأ فصل الخريف بخطاه الهادئة، معلنًا عن تغيّر جديد في وجه الطبيعة. تهبُّ الرياح برقة، فتداعب أوراق الأشجار، وتجففها شيئًا فشيئًا، حتى تبدأ بالتساقط، وكأنها ترسم لوحة فنية على الأرض، بألوان صفراء وبرتقالية وبنية، تبهج النظر وتبعث في النفس إحساسًا بالسكينة.
صوت الرياح وهي تمرّ عبر النوافذ يحمل صفيرًا خافتًا، يلامس الذاكرة ويثير فينا الحنين. تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض، ويعود الناس إلى جلساتهم الحميمة حول المدفأة، حيث تشتعل النار وتنتشر رائحتها المميزة، فتجمع الأهل والأصدقاء في ليالٍ يملؤها السمر والأنس والدفء.
ومع اشتداد البرودة في بعض المناطق، تبدأ الهجرة الموسمية نحو الجنوب، إلى سهول تهامة، تلك الأرض الدافئة التي تحتضن زوّارها بطقسها المعتدل، وهوائها العليل. تهامة في هذا الوقت من العام تتحول إلى ملاذ آمن من قسوة البرد، حيث تختلف أجواؤها بين الليل والنهار.
في النهار، تسطع الشمس بدفئها اللطيف، فتبعث النشاط في النفوس، أما في الليل، فيميل الجو إلى البرودة الخفيفة، فتُضاء المجالس، وتُروى الحكايات، ويحلّ السمر في جوٍّ يملؤه الصفاء والبساطة.
الخريف ليس مجرد فصل انتقالي بين الصيف والشتاء، بل هو فصل للتأمل، ولإعادة ترتيب الأحاسيس. ومع وجود تهامة كوجهة دافئة في هذا الوقت، تكتمل لوحة الخريف جمالًا ودفئًا وسكونًا