الليث .. وأهمية المكان

عبدالحي الغبيشي
تشرفت انا ومجموعة من الإعلامين والمؤرخين بزيارة محافظة الليث بدعوة كريمة من محافظ الليث الاستاذ عمران الزهراني
تجولنا خلالها على بعض المعالم الأثرية والتاريخية والسياحية والتنموية في تلك المحافظة العريقة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، والتي استوطنها الانسان منذ القدم، وشهدت هجرات بشرية، تزخر بالكثير من المعطيات ودلائل الاستقرار والتعيش البشري
ويميزها الموقع الجغرافي بكونها بوابة لحجاج بيت الله الحرام وميناءً تجاريا قديما يستقبل الحجاج والبضائع وبكونها وجهة سياحية لما تتمتع به من أجواء وتضاريس متنوعة وبيئة بكر ومكان أودع الله فيه جمال وتنوع الطبيعة ما بين البحر والجُزر والسهول والينابيع – وخاصة الحارة -والمرتفعات والجبال الشاهقة والأودية الفحول التي تسيل مياها من جبال السروات وتصب في البحر.
فهي غنية بمواردها الطبيعة ومقومات التنمية وفرص الاستثمار، وتضم أكثر من مئة بلدة وقرية وهجرة، فيها أمكنة ومواضع خلدها التاريخ، ووردت أسماؤها في كتب السير، والتراجم، والرحالة، وحفل بها الشعر وخاصة الجاهلي، ووقعت فيها بعض أيام العرب، وهي غنية بما تركت على مر العصور من الآثار والنقوش والرسوم الصخرية والنقوش الشواهد.
ومن أهما مدن محافظة الليث، السرين الأثرية جنوب مدينة الليث، و التي وقفنا عليها خلال تلك الزيارة، وهي فرضة “وميناء السروات”، عرفت منذ العصر الإسلامي المبكر حتى القرن الثامن، ذكرها المقدسي و الحموي واليعقوبي وبن خرداذبة والعذري المتوفي سنة 393هـ، بأنها مدينة بحرية عظيمة بسوقها تمد مكة بالمؤن، معظم بيوتها من الخشب والحشايش، توالى عليها عدد من أمراء وسلاطين بني الحسن الذين حكموها.
وضمت عدد من الآثار ومنها: جامع وحصن ومصنع وسور ومقبرة ونقوش شاهديه كثيرة. من أشهرها نقش شاهد الأمير أبو الحسن يحيي بن علي الحسين بن محمد بن موسى المتوفي سنة 361هـ، والذي يرجع نسبه إلى علي بن ابي طالب عليه السلام، كما وجد بها بعض النقوش، و كتبت عليها بعض أسماء أهل تلك المدينة، مثل: خديجة بنت محمد التي توفيت سنة 331هـ، وفاطمة، وعطية بن إسحاق المتوفي سنة 419هـ.
عرفت كمخلاف وكان فيها ميناء ذو أهمية كبيرة لكونه على الطريق بين اليمن والحجاز برًا وبحرًا، وللأسف فقد اختفى الكثير من آثارها تحت الكثبان الرملية، وطاله العبث والسرقة والإهمال والنهب والضياع، ولم يبق منها في موضعها الذي وجدت فيه إلا القليل، بعضه ذهب خارج نطاق منطقة الليث والبعض يحتفظ به بعض الأهالي، ومنه ما استخدم في البناء، كان من الاجدر أن تبقى تلك الآثار في أماكنها التي وجدت فيها منذ مئات السنين، لأن قيمة الأثر تكمن في وجوده في مكانه الذي وجد فيه
حمدانة:
سبق لي أن وقفت على هذا الموضع الذي يجهله الكثير من أبناء الليث، علماً بان حسن الفقيه – يرحمه الله – أوردها كتاب مدينة السرين، ومخلاف عشم، وأيضا الدكتور أحمد الزيلعي في أبحاثه عن النقوش …أتمنى أن تعلم حمدانة كموضع وبئر اثرية من وزارة السياحة وينالها الاهتمام.
تقع حمدانة في وادي عليب قبل مصبه في البحر غرب الشواق، وهي عبارة عن بئر أثرية قديمة ومحطة علي طريق قوافل الحج والتجارة، وتل صغير عثر في محيطها على سبع نقوش كتبت بالخط الكوفي في القرن الخامس، كتب على أحدها: بسم الله الرحمن الرحيم ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” اللهم اجعل محمد بن عبدالله بن يوسف المزني من الفائزين برحمتك والحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
وقد أشار إلى حمدانة وبئرها الرحالة الغربي عبدالله جون فيلبي في كتاب مرتفعات عسير، اثناء رحلته إلى سهول تهامة التي بدأها من الربع الخالي عام 1335هـ تقريبا ، حيث قال: عسكرنا لقضاء الليلة بجوار بئر حمدانة التي وقفت بجوارها، عشتان لتاجر حضرمي يبيع حاجيات الحجاج و العابرين، كانت بئر حمدانة التي تبعد عن الطريق خمسين ياردة من الطريق معطلة، حيث طغى عليها الركام والأوساخ التي جلبت ولا أعلم هذا حديثاً أم قديماً، كانت الليلة شنيعة للمرة الثانية، بسبب اسراب الحشرات التي ربما أدت إلى الظهور المفاجئ لطائر البوم البني، الذي لمحته على مدى انتشار ضوء مصباحي، كنت اسمعه ينعب طيلة الليل، حتى غلبني النوم، ولعله يعشعش في الجوار… انتهى كلامه !
الغريب انه لم يشر إلى تلك النقوش، لعله لم يكتشفها ولم يسعفه الوقت، اتاها في الليل وحط رحاله وغادرها في الصباح، وقد تكون وقتها كانت مطمورة بفعل السيول
ومما أثارني ولفت انتباهي اثناء تلك الزيارة الانتشار الكثيف لأشجار “المسكيت” وهي شجرة غريبة، أصلها من جنوب أمريكا، من نوع البرسويس أقرب إلى الفصيلة الطليحة شجرة شوكية دائمة الخضرة سريعة الانتشار لها أزهار بيضاء تتحول ثمارها إلى قرون تنتج آلاف البذور التي تجعلها تتكاثر بسرعة هائلة وذلك بفعل المواشي والطرائد والسيول التي تجرف تلك البذور، وقد غزت
واستعمرت شجرة المسكيت اغلب البلدان الأسيوية والافريقية التي جلبتها اجل مكافحة التصحر وعانت اشد المعانة كالحبشة والصومال والسودان وغيرها.
ادخلت إلى المملكة في نهاية السبعينيات من اجل الزينة وكمصدات وسياج على المزارع وقد ادهشني سرعة انتشار هذه الشجرة في محافظة الليث مما جعلها تحتل مساحات هائلة من الأرضي والأحياء السكنية وبطون الاودية .. ومشهد هذه الشجرة هو السائد في أغلب الأودية . تنبت على شكل مجاميع شجرية كثيفة وأحراش يصعب تخللها ، ولديها قدرة عجيبة على تحمل الظروف المناخية القاسية و الجفاف والملوحة ودرجة الحرارة
هذه الشجرة آفة على البيئة والغطاء النباتي ضارة لا يوجد منها أي فائدة للإنسان أو الحيوان بل أنها طفيلية منافسة تنمو على حساب غيرها و تهدد الأعشاب والأشجار الأصلية بالانقراض كالأراك والسمر والسلم والطلح والمرخ والحمض والأثل والسدر وغيرها
إضافة إلى أنها تدمر التربة وتستنزف المياه الجوفية بجذورها التي تمتد إلى مسافات كبيرة في أعماق التربة وتتسبب في تغير مسار مجاري الاودية اثنا السيول .. شجرة شيطانية شائكة منظرها غير مرتب لا يستفاد منها لا تأكلها الموشى ولا يجرسها النحل، حتى في الظل إذا دخلتها الماشية يصعب خروجها لكثافة التفافها واشوكها الحادة كما في وادي الحبقة وغيره، مأوى للكثير من الزواحف والقوارض والبعوض
واهيب هنا بوزارة البيئة والمياه والزرعة مكافحة هذه الشجرة والقضاء عليها والحيلولة دون انتشارها وتكثيف الحملات لإزالة هذه الشجرة وتوعية الأهالي بأخطارها واقتلاعها بشتى الطرق ودراسة وضعها من قبل المختصين ورفع حظر الاحتطاب عنها لمن أرد ذلك
وحسب علمي أن المجموعة الوطنية للاستزراع المائي لديها ابحاث عن الاستزراع النباتي لشجرة الاراك الذي يكثر في أودية الليث وخاصة غميقة – الذي نافسته فيها شجرة المسكيت – وشجر الشورى الذي يعيش على الماء المالح
وذلك من باب المسؤولية الاجتماعية جهود تذكر فتشكر



