قلعة عصيدان شموخ وشيوخ
أ. عثمان بن أحمد الزهراني
عندما تقف بجوار هذه القلعة وترفع رأسك نحو السماء ويزداد فضولك لتسأل نفسك او من حولك عن عمر هذه القلعة فيأتي الجواب سريعاً من خلال الوثائق التاريخية ان عمرها يربو على (عشر ومئتي سنة). فكل مَعْلَم في تأريخ أمّتنا المجيد وعهدها التليد حكاية تعود بنا حقبة من الزمن للوراء. فتثير دهشة المؤرخين والقراء. فيثور بركان التأريخ من عمق الحدث. فيخرِج لنا كنوزاً من المعلومات والأحداث والدروس والعبر عن تلك البقعة التأريخية. قال الشاعر
ادرسوا التأريخ إذْ فيه العِبر
ضل قوم ليس يدرون الخبر
في عام 961 هجري رحل -جد ال عصيدان – الجدّ بشيتي بن عمر بن عصيدان بن عضاة رحمه الله من قرية الحَدَب (خربة السِّبَعة) بكسرالسين وفتح الباء
بجوار (حِمى المخاصر) وهذه القرية والحمى يقعان غرب قرية الفارسية – أحدى قرى قبيلة بني حسن – تاركاً مسكنه ومزارعه القديمة وراءه .
فأناخ راحلته وحمل متاعه وزاده. وخرج مع إخوانه وأبنائه. وخرج معه في ذات اللحظة والوقت بعض أهالي القحف وأهالي شبرقة والشولة ومراوة حيث كان هؤلاء يسكنون تلك الدور وكانوا في تلك الحقبة من الزمن عوائل محدودة العدد.
يقف الجدّ بشيتي هنيهة!! ليُلقي النظرة الأخيرة لتلك الأطلال التي ابتسمت وارتسمت ذكراها في ذاكرته ولسان حاله لنفسه ومن معه يقول قفا.. نبكي.. من ذكرى.. حبيب.. ومنزلِ.. فتوجه فقَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ونزل(وادي شبرقة) بجوار مزارعهم وممتلكاتهم. ولم يكن من بدٍّ أمام بشيتى بن عمر أن يتخذ قراراه فقرر مع إخوانه وأبنائه عند وصولهم (وادي شبرقة) بناء الدور حيث هناك القرار والاستقراروالعيش والاستمرار فبنى بيته ومجلسه الأول شمال الحصن وبنى ابنه غائب البيت الغربي والجنوبي لتصبح البيوت ثلاثة.
ثم سار الأبناء صالح ومحمد على خطى والدهم فبنيا البيت الرابع بجوار بيت البيدي.
وفي عام 1235 هجري قام الشيخ عصيدان بن صالح وأخيه محمد بن صالح ببناء المرحلة الأولى من حصن عصيدان وتم بناء ثلاثة طوابق
وقام بتصميم الحصن ولياسته بالجص أحد الحرفيين المشهورين ببناء الحصون في المنطقة الجنوبية المعلم علي الحباطي الشهري.
ثم تتابع البناء فكان لعصيدان بن محمد شيخ قبيلة بني حسن عشرة من الولد وكان اشقاؤه من الأخوة حسن بن محمد وسعيد بن محمد قد أضافا سكنى لهما مجاورة. فأصبحت الأسرة كبيرة والحاجة للتوسعة على الأهل مُلِحّة.
وفي عام 1296 هجري تربَّع الشيخ عصيدان بن محمد رحمه الله على عرش الشياخة وفي هذا التأريخ حدثت أَحداث وفيرة ومثيرة في تأريخ شياخة الشيخ عصيدان بن محمد رحمه الله.
نذكر منها:-
▪️ تولى مشيخة قبيلة بني حسن عام 1296 هجري وكان عمره ٤٢ عاماً خلفاً لعمه عصيدان بن صالح الذي قُتِل غدراً في قرية القرن.
▪️ غيّرت القبيلة اسمه من مساعد إلى عصيدان وذلك بعد اخذ الثأر وعودته من دوس تيمّناً بعمه الشجاع عصيدان بن صالح الذي ملأ أسماع زهران وغامد ذِكْراً حسناً ابّان شيخته.
▪️ أقامت القبيلة احتفالاً وضربوا الطبول في القحف بعد قتل الجاني محمد بن حمامة واستبدلوا اسمه من مساعد إلى عصيدان بإجماع وتوافق لما يناسب الحدث
▪️انفتحت شهية القتل لدى المفسدين في الأرض وقُتِلَ بعدعصيدان شيخ قبيلة قريش عائض بن بدوي وهرب الجاني بن مالح وتخفى في قرية العفوص.
▪️أُحرِقَ بيت شيخ دوس ابن خضران وتم إعداد خطة للقبض على قاتل شيخ قبيلة قريش وتم القبض عليه.
▪️ تم إعدام القاتل في(حمى المخاصر )بجوار (خربةالسبعة) الدم بالدم والنّفس بالنّفس والجروح قصاص كما في الشرع الطاهر وردع المفسد الخاسر.
▪️احتزت قبيلة قريش رأس القاتل فكانت حليفة لعصيدان وذهبوا به إلى سوق الأطاولة وأقاموا العرضة والاحتفال. فأصبحت زهران تتكافأ دماؤهم. وهم يدٌ على من بغى وطغى وسعى في الأرض فساداً. ولو امتلك العدو رجالاً وعتاداً. فمنذُ أن قتل شيخ قبيلة بني حسن وقُتل شيخ قبيلة قريش وأُحْرقت دار شيخ دوس وظن الناس أن الفوضى بدأت بين القبائل وضعفت الثقة بينهم فأصبح الجميع يخاف بعضهم بعضاً. وأن عصابات الموت تتربص لهم في كل منعطف ولكن رجال زهران كانوا كالبنيان المرصوص وكأسنان المشط فلا بدّ من تأمين الأسواق والطرقات وحفظ الأمن ويأمن الناس على انفسهم واموالهم.
فقاموا قومة رجل واحد فانطفأت الفتنة وقُطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
▪️ من عام ١٢٧١هجري بقيت الشياخة بعد عصيدان الأول ٢٥عاماً في بيت آل عبدالله بقرية شبرقة وذلك لقرابة آل عبدالله بعصيدان وكان هذا الوقت عصيباً وحساساً أن يستلم عصيدان بن محمد الشياخة بعد عمه لأنه عندما قُتِل عمه كان عمره 18عام تقريباً
ورأى عقلاء أهله ووجهاء القبيلة أن لايلتحف بعباءة الشياخة في هذا الوقت. وهذا الرأي كان موفقاً مسدداً وصائباً فمازال المبغضون والمعادون تشرأِبُّ نفوسهم لاجتثاث الشياخة من بيت آل عصيدان وربما تطال يد الغدر ثانية لهذا الشاب اليافع.
ولكن كان قدَرُ الله قدَراً مقدوراً أن تبقى الشياخة موروثاً لشجرة عصيدان.
فذهب عصيدان بن محمد عند الشيخ عطية بن خضران شيخ قبيلة دوس برفقة إخوانه بعيداً عن الأنظار ومسرح الفتن واستفاد من بقائه هناك فتعلَّم واستفاد من مجالس الشيخ عطيه الدوسي ولما قضى أجلاً مسمى يقدّر (بثماني سنين) عاد بحذر محفوف بخطر تحفه رعاية الله وحفظه.
وفي عام ١٣١٤هـ أضاف الشيخ عصيدان بن محمد الطابق الرابع والخامس و (الكنانة والروشن) وكان البناء بإشراف المعلم الشويلي من أهالي القحف.. وتعني الكنانة شرفة في الدور الخامس غير مسقوفة والروشن كما في معجم العرب اسم يطلق قديماً زمن بيوت الطين وهو مجلس صغير معدّ للرجال وبقي على هذالحال خمسة طوابق حتى يومنا هذا وتم ترميمه من قبل آل عصيدان ويمكن للسائح أو الزائر زيارته .فهو أحد معالم السياحة بمنطقة الباحة (بقرية شيرقة).
وإذا أخذنا القارئ الكريم جولة سريعة لهذه الطوابق لنعرف أهمية كل دور في زمن الشياخة:
١- القبو : وكان به زنزانه للمطالبين بالدم فينفذ فيهم حكم الله أو الدية أو العفو من أولياء الدم.
٢- الدور الارضي: وبه مكان الحبس او السجن للقضايا دون الدم.
٣-الدور الثاني: كان مجلس الشيخ عصيدان لإدارة شؤون القبيلة.
٤- الدور الثالث : المجلس الخاص.
٥- الدور الرابع : برج مراقبة وبه شرفة تشرف على المزارع وبها الروشن وغرفة نومه.
وقد تعرض الحصن عام ١٣٢١هـ
لعدوان الأتراك وتم استهدافه بالمدافع التركية ولم يتأثر أو يتناثر.
كان آخر أبناء عصيدان الذي آلت اليه شيخة بني حسن الشيخ أحمد بن عصيدان وله لقاءات ومكاتبات مع الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ثم خلفه ابنه منسي رحمهم الله ثم انتقلت إلى ابنه مبارك بن منسي والى يومنا هذا يدير قبيلة بني حسن في عهد الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك سلمان حفظه الله.
كان المظلوم الذي لاينصفه أحد من قبائل زهران يأتون للشيخ عصيدان كما أشارت الوثائق فيجد بغيته وحاجته ونصرة الشيخ عصيدان له مما زاد حب الشيخ لدى القبائل والضعفاء والمظلومين.
وختاماً:
مات عصيدان وبلغ (عمره مئة عام) ومدة شيخته ٥٨عام وفُنيَ إِخوانه وأبناؤه رحمهم الله ولم يبق إِلاّ آثارهم فأصبحت مساكنهم تُنْبيء عن قوم قضوا رحلتهم في هذه العاجلة ومضوا إلى الله (وأمّا من آمن وعملَ صالحاً فلهُ جزاءً الحسنى وسنقولُ له من أمرنايُسراً)
وما قدّموه لأمتهم كان في الكتاب مسطوراًوفي التأريخ مشهوراً.
هم بشرٌ يُصيبون ويُخطئون فحسناتهم فخرٌ لمن بعدهم وخطأؤهم لا يجري عليهم أو من حولهم (تلك أمةٌ لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون).
وكانت العرب تفخر بمآثرها ومجدها وقبيلتها فلم يمقتهم الإسلام إلاّ أنه هذّب تلك المفاخر وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:
أنا النبي لا كَذِبْ …..أنا ابن عبدالمطلب
أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
والافتخار بالآباء في مقام الحرب لابأس به دون تنقّص وازدراء الآخرين علواًواستكباراً أو بطراً ورياءً.
ويرى كاتب هذه السطور لكي يتضح التأريخ أكثر عن عصيدان ورجاله علينا إماطة اللثام عن اسرار في حياة عصيدان الاول والثاني وان نخرج للجيل.
١- كتاب يستند على الوثائق التاريخية وذكر جهود الآخرين مع عصيدان.
٢- اخراج فلم سنمائي (إن تيسر) يحكي دور عصيدان ورجاله مع بني عثمان.
٣- اشكر الاخ غايب بن حسن بن عصيدان والأخ جمعان بن مهدي بن عصيدان فكان لهما قصب السبق في تزويدنا بما يهمنا في المقال السابق واللاحق
ونرجو من البقية من أحفاد عصيدان أن يخرجوا لنا شيئا عن حياة الشيخ رحم الله امواتنا واموات المسلمين
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.