الرئيسيةثقافة

متحف الحضارات السبع

أحوال – مكة – هشام نتو

المتاحف هي بمثابة المؤسسات الثقافية والتعليمية، لما تحتويه من مقتنيات وقطع أثرية تحكي حضارة أمم سابقة وآثار أعلام من تاريخنا العريق. تشمل هذه المقتنيات التحف والوثائق وغيرها، ومن بينها ما هو نادر الوجود.

تبدو معظم هذه المتاحف متشابهة إلى حد كبير، لكن ما وجدناه – صحيفة أحوال الإلكترونية – في متحف الحضارات خلال زيارتنا له مع نخبة من الإعلاميين مثل الأستاذ غميص الظهيري والإعلامي عايد المالكي والاستاذ علي مبارك الزهراني والاستاذ محمد حسن زيلع كان شيئًا مختلفًا، من حيث موقعه التاريخي وتاريخ إنشائه. يعود تاريخ إحياء الموقع لأكثر من ألف عام، حيث أُنشئ القصر منذ ثلاث قرون هجرية.

إن هذا المتحف يروي ماضيًا عريقًا، ويحكي حاضرًا مزدهرًا، ويواكب مستقبلًا مشرقًا. فهو يجمع سبع حضارات في سبع متاحف، بُني من سبع حجارة، ويصل مساحته إلى 70,000 مترًا مربعًا. تم إنجاز أربع مراحل من أصل سبع، مما يجعله “القصر التاريخي للحضارات الإسلامية”.

يقع القصر في وادي قرن المنازل في السيل الكبير بمحافظة الطائف. أُحييت هذه المزرعة عام 1100هـ، على يد عائلة آل هليل الثبيتي من قبيلة هوازن العريقة، التي تعود لها حليمة السعدية، مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حول مالك القصر الحالي، منذ عام 1407هـ،الاستاذ/ماجد سعيد الثبيتي إلى متحف يضم أثار حضارات إسلامية سابقة مندثرة، وعاصر فيه مراحل تكوين الدولة السعودية وتكويناتها الثلاثة، بالإضافة إلى بعض المقتنيات من بعض ملوك الدولة السعودية وصور نادرة، وأيضًا مقتنيات من الجمهورية المصرية والعراقية واليمنية وغيرها من الدول.

مالك المتحف، المبدع والشغوف بالآثار، أبو عبد الله ماجد سعيد الثبيتي، هو من أبناء أرضه ومن المهتمين بهذا المجال. فمنذ نعومة أظافره، عشق الآثار والقطع الأثرية القديمة، حيث بدأ هذا الشغف عندما كان في السابعة من عمره، أثناء مرافقته لوالده في حراج الخردة بمحافظة الطائف.

أضحى الثبيتي يجمع القطع الأثرية حتى ضاق مسكنه بها، مما دفعه إلى إنشاء مكان يعرضها فيه، وحرصًا عليها من التلف أو التخريب غير المقصود، والمحافظة على رونقها وقيمتها وإظهارها للجمهور.

فاختار موقع المتحف بدقة، وحرص على أن يكون له تاريخ موثق. كما اهتم في بناء متحفه أن يكون من صخور جمعها من مدن المملكة العربية السعودية العريقة، مثل مكة والمدينة والرياض. استُخدمت صخور من جبل ثور وجبل النور وجبل أحد.

جمع ماجد سبع صخور بُني بها المتحف ومرفقاته. ومن أبرز المدن التي جمع منها الصخور هي مدينة الرياض، حيث اشترى 365 عمودًا صخريًا بطول مترين وعرض 60 سم، بمعدل عمود لكل يوم من أيام السنة. استخدم هذه الصخور في صناعة كراسي وطاولات للجلوس، ليجعل أثاث المتحف من الطبيعة الصخرية، مما أضفى طابعًا فريدًا وغريبًا.

رغم أنه في ربيعه السادس من عمره، فقد جمع قطعًا أثرية عمرها يتجاوز القرون، وقد حصل على معظم مقتنياته بوثائق ملكية من مصادر موثوقة، وبعضها اشتراها كسلعة دون أن يعرف البائع قيمتها. بجهود ذاتية، أصبح المتحف ملفتًا لأنظار الزائرين، ومحبوبًا لدى المهتمين بعشاق التراث والآثار التاريخية.

ومن مشاهداتي في المتحف الفريد أنه زين مدخل أرضية المتحف بسجادة مكونة من سبع أنواع من الصخور، طولها ثلاثون مترًا وعرضها خمسة عشر مترًا، وقد رُسمت عليها صور تشكيلية تعبيرية جميلة، وزُينت أطرافها بأعمدة صخرية نحتها ماجد بنفسه، ونُقشت عليها أسماء وبعض أقوال أصحاب المعلقات السبع.

في هذا المتحف البديع، أنشأ ماجد صالة مساحتها 400 متر مربع، وضع فيها مقتنياته الأثرية وقطعًا ثمينة، من بينها مصحف مكتوب بخط اليد على ورق مصنوع من شجر الزيتون، ومرصع بماء الذهب، ويعود تاريخه لأكثر من 300 سنة.

إنه متحف فريد من نوعه، بديع في بنائه، ومتميز في أدوات بنائه. حيث جميع أعمدته وسلالمه بُنيت من قطع صخرية من صنعه وإبداعه.

ضمن متحفه، أنشأ أيضًا متحف الفلك، حيث نحت كوكب زحل من صخرة وزنها طنان. كما أعد متحف القوات السعودية الأولى في عهد الملك عبد العزيز، يرحمه الله، حيث صنع بنفسه مجسمات للمدرعات والطيران والبحرية والصواريخ.

كذلك، أنشأ متحف النباتات، حيث جمع فيه سبع أنواع من نخيل المنطقة والمعروفة فيها من عقود، في نفس الموقع الذي زرعت فيه منذ عهد الجد لآل هليل منذ 1288 هـ. وقد أنشأ “قريحة” أو ساقية من مجاري السيول، وهو ما حافظ عليه الثبيتي في متحفه.

وأعطت السيدة زبيدة، زوجة الخليفة هارون الرشيد، للمتحف نصيبها أيضًا، إذ أُنشئت خرزة صغيرة في مجرى سقيا النخل، مزودة بجميع أدوات السقيا المعروفة في حينها، وذلك تخليدًا لما قدمته لسقيا الحجاج والمسافرين.

كما أنشأ بحيرة صغيرة تحاكي بحيرة “تروجينا” بمدينة نيوم في أقصى الشمال، وأنشأ عليها مصبات صغيرة مصنوعة من الصخور، وهو من قام بنحتها أيضًا.

إنه حقًا مثال حي على النجاح، حيث صنع تاريخًا بيده، يظل أثره باقيًا في قلوب زائريه.

فهو قصة نجاح بين كلمتين خالدتين: “نحلم ونحقق”، قالها صاحب السمو الملكي، وكأنها أصبحت خطة للنجاح. كلمتان بينهما قصة مملوءة بالجهد والتعب والبذل ليصنع له مجدًا ويخلف له تاريخًا.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما شاء الله تقرير مميز من كاتب مميز حيث كانت الزيارة بمثابة حقة ايجابية في التغير ولقاء مثري محمل بالمعلومات والافكار الجميلة مع مالك المتحف م / ماجد الثبيتي وكان الملفت للنظر هو الرقم ٧ في اساس مكونات المتحف والرقم ٧ له قدسية في ديننا الحنيف .
    شكرا استاذ هشام نتو ولصحيفة احوال لما تقومون به من نقل وابراز مثل هذه المعالم .

زر الذهاب إلى الأعلى