الرئيسيةثقافة

المرأة وسر العمامة لدى رجال موريتانيا

Listen to this article

العمامة أو اللثام ليست مجرد قطعة قماش يلفها الرجل الموريتاني حول رأسه، بل هي رمز متجذر في التاريخ، يحمل دلالات ثقافية وروحية، ويمثل أحد أبرز معالم الهوية البدوية الأصيلة. فالتمسك بهذا الزي التقليدي لا يُفسَّر فقط بعوامل البيئة القاسية، من رياح رملية وشمس حارقة، بل يرتبط أيضاً بحكايات أسطورية تعبّر عن الوفاء والبطولة.

من أشهر القصص التي تُروى عن أصل اللثام، تلك التي تحكي عن نساء قبيلة لمتونة بموريتانيا، اللواتي تلثمن ذات يوم في معركة تاريخية، وانبرين لحمل السلاح دفاعًا عن مضاربهن بعد أن داهمها العدو مستغلًا غياب الرجال في الغزو وتقول الرواية بأن العدو ظنّ أن النساء هم رجال مدججون بالسلاح وكانو مختبئين في الخيم ومستعدين للدفاع، فعدل عن الهجوم، مما أتاح للرجال العودة ومباغتة العدو والانتصار عليه. ومنذ ذلك الحين، اتخذ رجال لمتونة اللثام عادة وعرفًا، تيمّنًا بشجاعة نسائهم ووفاءً لذاك الموقف الاستثنائي.

وقد ذكر هذه القصة المؤرخ العربي الشهير “ابن الأثير” في كتابه “الكامل في التاريخ”، مؤكدًا أن اللثام صار علامة رجولة وتميّز بين القبائل، حتى بات يُلازم الرجال في كل مكان وزمان، في البرد وفي الحر، في السلم وفي الحرب، في الفرح وفي الحزن، ويلبسه الشيخ والشاب.

اللثام إذًا، لم يعد مجرد وقاية من الطبيعة القاسية، بل تحوّل إلى فخر ومروءة، وإلى لغة صامتة تعبر عن احترام الموروث، وتُرسّخ حضور الرجل الموريتاني في عالمه بهيبة وسكينة. وبالرغم من التحولات العصرية، يبقى اللثام عنوانًا لهوية متجذرة في الرمال، تُقاوم النسيان وتُخلّد قصصًا منسية كتبتها نساء موريتانيا ذات يوم.

محمد محمود الشيباني

عضو هيئة التحرير _ مدير مكتب المغرب العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى