الرئيسيةمقالات

نجاح السعودية في تنظيم الحشود

Listen to this article

أ. صالح بن خميس الزهراني

من الأمور الرائعة التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية أن المملكة العربية السعودية أثبتت مرة أخرى قدرتها الفائقة على إدارة الحشود خلال موسم حج 1446هـ.. لقد أذهلت السعودية العالم بكفاءتها التنظيمية العالية، مما يعكس قمة التناغم بين التخطيط والتنفيذ والتقنية، بالإضافة إلى القيادة المستندة إلى الخبرة الميدانية.

فالحشود البشرية تُعد مكونًا رئيسًا في المجتمعات الحديثة، نظرًا لمشاركتها في العديد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والرياضية، مثل المهرجانات، والمؤتمرات، والندوات، والمباريات، والشعائر الدينية والاحتفالات الكبرى. ونظرًا لحساسيتها وتعقيدها، تتطلب هذه الحشود إدارة متخصصة تضمن سلامتها وفاعليتها من خلال تخطيط دقيق وتنظيم محكم.

وتُعد المملكة من أكثر دول العالم استقبالًا لملايين الزوار سنويًا، سواءً من العمالة في القطاعين العام والخاص، أو المعتمرين، أو زوار المسجد النبوي الشريف، وصولًا إلى حجاج بيت الله الحرام، الذين يتجاوز عددهم المليون سنويًا الى ثلاثة ملايين. وتقوم الدولة السعودية ببناء ثلاث مدن موقتة لهم في عرفات (ليوم واحد)، ومزدلفة (للمبيت في الليلة التاسعة من ذي الحجة)، ومنى (حتى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر الحج).

وقد نجحت المملكة في تقديم نموذج متفرد لإدارة الحشود بفضل من الله ثم بما وفرت الحومة السعودية من مال وتقنية ورجال مؤهلين.. مع التنسيق الكامل بين القطاعات الحكومية، التي تعمل بانسيابية عالية منذ لحظة قدوم الحجاج عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، وحتى مغادرتهم بعد أداء مناسكهم بيسر وسلام.

وفي هذا السياق، تحتل السعودية المركز الأول عالميًا في إدارة الحشود البشرية، وذلك بتوفيق الله أولًا، ثم بفضل دعم القيادة الحكيمة التي وفرت الإمكانيات البشرية المؤهلة، وسخّرت التقنية الحديثة في جميع الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.. كما تم التركيز على الابتكار والتكنولوجيا الذكية، من خلال تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة لتيسير الإجراءات، وتحديث المنافذ باستخدام تقنيات متقدمة تضمن سرعة وسهولة الدخول.

ولعله من المناسب أن نتناول أبرز الخدمات المقدمة لحجاج هذا العام 1446هـ:

في المجال الصحي وفر العديد من الخدمات الصحية المتطورة،مع زيادة الطاقة السريرية، وتخصيص نقاط تدخل إسعافي سريع لضمان الاستجابة الفورية.

الى جانب توفير التقنيات الذكية بإطلاق تطبيقات رقمية تقدم معلومات دقيقة وخدمات إرشادية، لتيسير أداء المناسك والتنقل.

ثم تم تحسين خدمات النقل والتنقل، وتوفير وسائل آمنة ومريحة، مع تقديم برامج توعوية وإرشادية على وسائل نقل الحجاج الى السعودية.

وكان للخدمات المتخصصة دور كبير بعد ان تم توفير خدمة البريد الرسمي، وتفعيل خدمة “أجير الحج” لتأمين العمالة الموسمية المطلوبة.

الى جانب مبادرة طريق مكة حيث سهل دخول الحجاج من بعض الدول عبر المنافذ الدولية بإجراءات مسبقة.. “طريق مكة” إحدى مبادرات وزارة الداخلية ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن بهـــــدف تقديم خدمات ذات جودة عالية لضيوف الرحمن المستفيدين منها، بالشراكة مع عدد من الجهات الحكومية في صالات المبادرة عبر (11) مطارًا في (7) دول وهي باكستان وماليزيا وإندونيسيا والمغرب وبنجلاديش، وتركيا وكوت ديفوار.

الى جانب تشجيع العمل التطوعي بتعزيز ثقافة التطوع للمساهمة في تقديم الخدمات الميدانية.

هذا وغيره خضع للرقابة الصارمة بتشديد الرقابة على المنشآت العاملة لضمان الالتزام بالأنظمة والتعليمات.

وقد أهتمت الجهات المعنية بخدمات الحجاج بالتوعية لتعزيز الوعي بمناسك الحج الشرعية والأنظمة المرعية للدولة السعودية، مع التركيز على أدب التنقل والالتزام بالضوابط.

ومن النماذج المتقدمة التي تجسد التكامل التقني بين الجهات، تعاون وزارة الداخلية مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، عبر منصتي “سواهر” و”سواهر قيادة”، اللتين توفران تحليلات ذكية من بث مباشر لكاميرات متعددة في المشاعر المقدسة والمنافذ وطول الطرق الممتدة من منافذ السعودية التي عن طريق يفد الحجاج الى أن يصل الحاج لمكة المكرمة والمدينة المنورة وداخل المشاعر المقدسة، بما يمكّن من المراقبة اللحظية وتحليل البيانات الضخمة لدعم اتخاذ القرار، وتعزيز الكفاءة الأمنية.

وفي سياق متصل، كشفت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن شركة كِدانة قامت بتجهيز مستشفى ميداني في مشعر منى بسعة 200 سرير، وتوزيع 71 نقطة تدخل سريع، وتهيئة 15 وحدة إسعاف، بالإضافة إلى تنفيذ مسار مشاة مطاطي في مزدلفة بمساحة 170 ألف متر مربع، وزراعة 10 آلاف شجرة عليه لتقليل الحرارة وتحسين البيئة. كما شملت المشاريع تظليل المسارات، وإنشاء 64 مجمعًا لدورات المياه بطابقين، وتركيب 400 برادة مياه حديثة، وتطبيق نظام الخيام متعددة الطوابق لرفع الكفاءة التشغيلية وتحسين توزيع الحجاج داخل المخيمات.

هذه الجهود تأتي امتدادًا لما دأبت عليه المملكة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز – رحمه الله – وحتى عهدنا الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله.

بإيجاز، أصبحت المملكة العربية السعودية نموذجًا عالميًا يُحتذى به في إدارة الحشود، مما يعكس التخطيط السليم، وتكامل التقنية، والمهنية، والوعي المجتمعي، والقيادة المؤهلة في خدمة ضيوف الرحمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى