مقالات

رحلة العُلا .. أكثر مما تتوقع

Listen to this article

محمد جبران

لم يخطر ببالي السفر إلى مدينة العلا، إلا بعد أن حدثتني صور معالمها السياحية، عن جمال طبيعتها. كان لتلك الصور من القوة والتأثير والجاذبية، ما جعلني انطلق لحظتها صوب العلا دون انتظار.

 كنت أعلم أن الواقع في أي مكان يختلف عن الصورة، التي دوما ما تكثف اللحظة الجميلة، ولا تهتم بمشقات السفر ومفاجآته غير السارة، لكن ذلك المكان لا يشبه غيره، كنوزه الأثرية وتشكيلات جباله ومهرجاناته، لا تعطيك فرصة التفكير في متاعب السفر.

منذ انطلاقتي من مدينة جدة والأجواء في الطريق ممطرة، لدرجة أنني قطعت المسافة الطويلة مع المطر دون توقف، سوى للحظات قصيرة.

وصلت مدينة العلا قبل منتصف الليل، كان الجو يميل إلي البرودة، والسماء تمطر بالرذاذ الخفيف .. وعند إشراقة اليوم التالي بدأت البحث عن المتعة المتخيلة، كانت كل الأماكن التي طافها نظري تنطق بالترحاب.

كان أمامي ثلاثة أماكن متاحة للزيارة؛ البلد القديم، وقد فاجأتني بيوته العتيقة بجاذبيتها وألفتها رغم بساطتها وتصميماتها المكررة، شبكة من المباني المتلاصقة والمتداخلة، والمبنية من الطين والقليل من الحجارة الصغيرة، لفت نظري أثناء تجوالي الأبواب المؤطرة بحجارة ملساء تشبه في تصميمها أبواب البيوت الرومانية، وما أدهشني أكثر هو صمود تلك الجدران الطينية الهشة طوال السنين!

انتقلت من البلدة القديمة إلى حرة عويريض، الوجهة الثانية .. صعدت جبلا مرتفعا يتجه باستمرار إلى الأفق، انتهى بي إلى قمة متسعة، كشفت لي عن مناظر تفوق الوصف، أودية تمتلئ عن آخرها بصفوف متراصة من أشجار النخيل الكثيفة، التي تطاول قاماتها السماء.

 كان المكان هادئا إلا من أصوات موسيقى تصدح من مطعم يوناني أنيق التصميم، يقع على حافة المنحدر. ومن ذلك الارتفاع الشاهق شاهدت مستقبلا جديدا يُبنى في تلك الفضاءات الشاسعة.

وبعد قضاء وقت من المتعة، توجهت إلى جبل الفيل، الوجهة الثالثة؛ المعلم البديع والعجيب، وأنا في طريقي إليه مررت مصادفة بمنتجع شادن، مكان يحاصر حواسك بالجمال، دخلت إلى عمق المنتجع عبر طريق مفروش بالرمل الأحمر، دار في مخيلتي وأنا أجول بنظري في المكان، تلك الصورة الدعائية المشهورة للغرب الأمريكي، وراعي البقر يمتطي صهوة جواده، وخلفه جبال حمراء وأمواج من الكثبان الرملية الصفراء.

المنتجع يقع بين جبال متناسقة الألوان، يمتزج فيها اللونان الأحمر والبني، جباله منتصبة وكأنها تستعد لإرشاد المسافرين، الأجواء هناك تثير السكينة والتأمل الشاعري، والابتسامات على وجوه الشباب السعوديين، تبعث الحميمية وهم يقومون بالإرشاد وخدمة السياح والزائرين.

تركت شادن وبيوت العطلات خلفي واتجهت إلى جبل الفيل، منظره الغريب أربك حواسي بعض الشيء، جبل ضخم يقف وحيدا وسط الرمال، وقد نحتته عوامل التعرية، وشكلت منه ما يشبه الفيل العملاق، يحيط به مجموعة متناثرة من المقاهي الحديثة، التي تقدم فناجين القهوة بنكهاتها المختلفة، وسندويتشات البرجر الطري.

الجلسات تمتلئ بالسياح، والجميع ينظر منبهرًا إلى ذلك العملاق الخاشع في صمت .

مر الوقت سريعا وأخذ ضياء الشمس البارد يخبو ويحل مكانه الظلام،

وحين هممت بالتلويح للمكان مودعًا أضيئت فوانيس الكهرباء الملونة، وأرسلت أشعتها الدافئة إلى جدران جباله العارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى