
أحوال – عامر آل عامر
تصوير: يحيى الألمعي
إحتفظت قرية الجرف الأثرية الواقعة إلى شمال محافظة رجال ألمع ببعض تفاصيلها وماضيها الجميل على الرغم من تعاقب السنين ومرور الأيام وتعرضها لعوامل التعرية الشديدة بعد هجرة أهلها ونزوحهم إلى حاضرتها الجديدة، وهي مطلّة على وادي حلي الذي يبلغ إجمالي طوله 160 كيلو متراً، ومتوسط إنحداره حوالي 17,5 م، فهو أحد أكبر أودية المملكة العربية السعودية، وتبدأ روافده من أعالي جبال السروات وجبال الحجاز من رجال ألمع جنوبا إلى بلاد بارق شمالا ويتجه في جريانه منحدرا نحو الغرب حيث يعد من أكبر أودية تهامة، ومن أهم روافده وادي تيّه، ووادي بَقْرة.
وتعتبر قرية الجرف كما وصفها القدامى “سلّة غذاء” محافظة رجال ألمع آنذاك ، نظراً لموقها الإستراتيجي في منتصف المحافظة ، وكانت تحتوي على سوقٍ قديمة على شكل “دكاكين” لبيع وشراء المواد الغذائية والملبوسات ومواد البناء وإحتياجات الزراعة بشكلٍ عام ، كما يوجد بها طاحون للحبوب لازالت جدرانه صامدةً إلى هذه اللحظة.
وكان أشهرها دكان أحمد أبو شقارة الذي كان مخصصاً لتبادل البضائع وبيعها من الأرز والسكّر والشاي والبن والهيل والزنجبيل وما إلى ذلك من الإحتياجات التي كانت تعتبر من أشكال الرفاهية في ذلك الحين.

الأبواب الثلاثة
في زيارةٍ لهذه القرية التراثية قام فريق عمل صحيفة أحوال الإلكترونية المكوّن من مدير تحرير منطقة عسير الأستاذ عبدالله آل عامر والمحرر الصحفي الأستاذ عامر آل عامر ومصور الصحيفة الأستاذ يحيى الألمعي بتلبية الدعوة التي قدّمها المسؤول عن القرية الأستاذ إبراهيم عبده يعقوب، وتم إستقبال الفريق وضيافته في مجلس حصن الملتقى الذي كان بمثابة قاعة لإجتماعات أهل القرية ومكاناً للضيافة، وفي أجواءٍ تراثية خالطتها رائحة وعبق الماضي الجميلة، سرد خلالها مسؤول القرية عددٍ من قصص الماضي عن هذه القرية وكيف أنها كانت ذات تحصينات عالية ضد الهجمات المباغتة من اللصوص وعمليات السرقة التي كانت تنتشر في ذلك الوقت، وكان للقرية ثلاثة مداخل، يوجد لكل واحدٍ منها باباً لا يستطيع أياً من خارج القرية أن يدخلها في غير أوقات التسوق والبيع والشراء، وكان أهلها يتعاملون بإشاراتٍ وكلمات سريّة يعرفون بها بعضهم البعض ، وذلك أسلوبٌ حربي قديم أُستخدم لحماية القرية من المتسللين واللصوص والمعتدين الذين كانوا يحاولون مراراً وتكراراً غزوها والعمل على إسقاطها والإستيلاء على مدّخراتها، فكان الباب الأول يسمى (الرهوة) ويحرسها من الجهة الجنوبية ، والباب الثاني والذي يقع في منتصف القرية يسمى (الدارة) والباب الثالث الذي يحرسها من الجهة الشمالية هو باب (الصعداء).

عاتق ومعتق
عاتق : هو حصنٌ ضمن حصون قرية الجرف التراثية يقع في الجهة الجنوبية من القرية،وكان يعتبر مقراً لحراسة ومراقبة القرية ومن خلاله تتم عمليات الدفاع عن القرية وحمايتها من الأعداء آنذاك خلال عمليات الغزو التي تتعرض لها لمحاولة سلب مدّخراتها.
معتق : هو حصن أثري آخر يقع شمال قرية الجرف التراثية والذي كان يختص بحماية الأراضي الزراعية والمحاصيل الواقعة في سفح الجبل الذي تعتليه القرية ، وكانت محطّة لإستراحة وضيافة قوافل الحجاج القادمة من اليمن وقد وضعت بعض هذه المزارع كوقف خيري لإطعامهم وتزويدهم بالمؤونة أثناء مرورهم بها.

بداية التعليم في القرية
يوجد بقرية الجرف التراثية مسجد يحتوي على طابقين ، الطابق الأرضي أوجد ليكون منزالاً للضيوف القادمين من خارج القرية أو عابريها من الحجاج والتجار وغيرهم ويسمى “المنزالة”.
وقبل مايقارب مائة عام ظهرت في هذه القرية الأثرية بوادر التعليم على يد المعلم القرعاوي الذي قدِم من شمال المملكة آنذاك لنشر رسالة التعليم وتتلمذ على يده عدد من أبناءها الذين بدورهم قاموا بنشر التعليم والتدريس حتى تخرّج على أيديهم مجموعة من الشخصيات الناجحة والمهمة في المحافظة ، مثل الأستاذ عبدالله بن طالع أبومعبد،ومحمد أحمد بن حمود ،ومحمد بن يحيى القاتلي والعلاّمة إبراهيم بن يوسف الفقيه ، وإبنه يوسف، حيث ترعرعت جميع هذه الشخصيات ودَرَست في قرية الجرف التراثية ،وبعد ذلك تأسست فيها مدرسة عام 1353في بيت النائب يعقوب بن علي آل غاصب ، وبعد كثرة الطلاب المقبلين عليها من أبناء القرية والقرى المجاورة لها ولم يعد هذا المنزل يسعهم ، قام أيضاً النائب يعقوب آل غاصب ببناء مدرسة جديدة في حاضرة الجرف والمسماة ” ظاهر آل موهوب” وقامت بإستقبال الطلاب من قرى أخرى مجاورة.

حصن الملتقى
قام المسؤول عن القرية ومالك حصن الملتقى الأستاذ إبراهيم عبده يعقوب وعلى حسابه الخاص بترميم جزء كبير من القرية في محاولة للحفاظ على ماتبقى من محتوياتها الأثرية والتي تمثل جزءاً لا يتجزأ من الماضي الذي ورثه من آبائه وأجداده ، وأوضح أن لديه عدّة مطالبات من عشرات السنين بالإلتفات إلى هذه القرية الأثرية ، وإدراجها ضمن المشاريع التي تهتم بها هيئة السياحة في وقتنا الحالي ، كي تصبح مزاراً تاريخياً لائقاً لإستقبال السياح والزائرين الذين قدموا لها من كافة مدن المملكة منذ قيامه بعملية الترميم ، ولكن لازال ينقصها الكثير من الدعم والإصلاحات أهمها الطريق المؤدي إليها.


محتويات القرية
تحتوي قرية الجرف التراثية على عدة حصون أهمها “حصن الملتقى” الذي يضم عدة أقسام منها :
قسم الإستقبال والذي يحتوي على صالة واسعة نُقشت جدرانها بألوان “القَطّ” العسيري المعروف والذي يعتبر رمزاً من رموز البناء والفن المعماري في منطقة عسير ، وتكسو هذه الجدران عدداً من الأسلحة الأثرية والأدوات الحربية المستخدمة آنذاك، يليه القسم السفلي والذي يحتوي على الأدوات المستخدمة في حرث وزراعة الأرض،والأواني المنزلية التي كانت تستخدم للأكل والشرب وإعداد الطعام وحفظ المحاصيل والحبوب والفواكه.


إطلالة القرية
يستطيع الزائر أثناء تواجده في أعلى قرية الجرف التراثية أن يستمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة من أربع جهات نظراً لوجودها في منتصف الجبل الذي بُنيت عليه من مئات السنين، فإطلالاتها الأربع تنقلك إلى حاضرة الجرف الحديثة بإتجاه الشرق وإلى الوادي والمزارع التي تقع أسفل القرية من جهة الشمال وإلى القرية ذاتها من جهة الغرب وأخيراً إطلالة ساحرة تنقلك إلى أبعد ما تستطيع أن تراه من الجهة الجنوبية، ويوجد إطلالة أخرى مميزة على سطح القرية تتنقل من خلالها بين الماضي والحاضر للإستمتاع بزاوية 360 درجة.

ماذا تحتاج قرية الجرف الأثرية
قرية الجرف التراثية التي تبعد أكثر من كيلوين عن الشارع العام ويفصلها عن حاضرتها وادي حلي الذي له ذات الطول والمسافة ، وتم رفع مطالباتٍ عدّة منذُ عشرون عاماً مضت كما ذكر الأستاذ علي بن زهير وهو أحد المهتمين بالمطالبات التي تخص القرية، أن أول طلب قام بتقديمه قبل مايقارب عشرون عاماً كان بتاريخ ١٦-١٠-١٤٢٠ هـ ورقم ٥٧٨٨ لإيجاد طريقٍ بديل لهذه القرية، حيث ذكر أنه في السابق وأثناء هطول الأمطار وجريان الوادي المجاور للقرية والذي يُعتبر الطريق الرئيسي الوحيد المؤدي إليها ، أضطرّ ساكني القرية عند وفاة أحد نسائها إلى إحضار إحدى المعدات الثقيلة من نوع “شيول” كي يستطيعون إجتياز الوادي ونقل جنازتها ودفنها بعد إيصالها إلى المستشفى.
وتم توجيه الطلب من أمير منطقة عسير آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بتاريخ ٢٥-١-١٤٣١ هـ ورقم٤٥٣٥ وتوجيه آخر بتاريخ ٢٨-٣-١٤٣٢ وبتاريخ ١٨-١١-١٤٣٢هـ إلى سعادة محافظ رجال ألمع آنذاك بسرعة فتح وإنشاء الطريق ومباشرة العمل على الفور بعد موافقة سموه على ذلك، والذي يمتد من كُبري الجرف وبطول ٢ كيلو متر وعرض خمسة عشر متراً مع سفلتته وإنارته، وأن يكون هذا الطريق نافذاً ومتصلاً بنهاية الشارع العام ويستخدم كبديلٍ له ، وتم تزويد المدير التنفيذي لهيئة السياحة والآثار آنذاك بصورة من الخطاب.
وبعد ذلك تم توجيه خطاب عاجل إلى رئيس بلدية رجال ألمع آنذاك بتاريخ ٢٦-١١-١٤٣٢ ورقم ٦٠٣٢/٦٠٨ ، وتم الإعتراض من قِبل بعض المواطنين على إنشاء الطريق وظلّت تلك المطالبات والتوجيهات رهينةً داخل أدراج موظفي بلدية رجال ألمع ولم يُعاد النظر إليها مرةً أخرى.

إلى سمو أمير عسير
ناشد الأستاذ إبراهيم بن يعقوب والأستاذ علي بن زهير وبالنيابة عن أهالي قرية الجرف التراثية، صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير ورئيس هيئة تطويرها بزيارة هذه القرية والوقوف على متطلباتها خصوصاً أنها قرية أثرية ذات موقعٍ إستراتيجي من شأنه أن يكون وسيلةً هامة في جذب السيّاح والزائرين ، كما أنها ضمن أهداف رؤية ٢٠٣٠ التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حفظه الله، كما أن السياحة أصبحت ركيزة أساسية من أهم ركائز الرؤية، كما رفعوا مناشدتهم أيضاً إلى هيئة السياحة بإعادة النظر في متطلبات هذه القرية ودعمها بكل ما من شأنه أن يجعل منها مزاراً عالمياً راقياً، أسوةً بجميع القرى والأماكن الأثرية التي دُعمت من قبل .
وفي نهاية حديثهما قاما بتوجيه دعوة عامة لأهالي محافظة رجال ألمع كافةً وللقادمين من خارجها وللزائرين والسوّاح والإعلاميين بزيارة هذه القرية والإستمتاع بجوها ونسيمها البارد بين أروقتها الجميلة التي تحكي سنوات طويلة من ماضي الآباء والأجداد ، وتحكي بطولات تعليمية وحربية وإقتصاديه خاضها أهالي هذه القرية الحالمة قبل مئات السنين.
رسالة شكرودعوة للزيارة
وجّه مسؤول قرية الجرف التراثية وصاحب حصن الملتقى الأثري رسالة شكرٍ خاصة إلى فريق عمل صحيفة أحوال الإلكترونية الذي قام بزيارة القرية والإطلاع عليها عن قرب ، وعامة إلى منسوبي إدارة الصحيفة على مشاركتهم في إبراز المعالم والأماكن الأثرية وإيصال صوت المواطن إلى المسؤول، خاصّة بعد تواصل فريق العمل مع مسؤولي البلدية الذين قاموا بدورهم في إرسال فريقٍ كامل لنظافة مداخل ومخارج القرية في اليوم التالي للزيارة.





