مقالات

النقل المدرسي

Listen to this article

  أ. شريفة الحفظي

بم تحدثيني يالطرقات أسمع تمتمات، أهي عن ذكريات، أم ضحكات تناثرت أثنا تسابق البنات، على صعود ثلاث درجات في باص يتنقل بين المحطات.

كم جمع من الطالبات، وكم أستمع لسواليف في الغالب لاتجد فيها مسمى حكايات، غير البرآءة في ثنايا ثرثرة مختلطة بوصف الدرس والمعلمة وقصاصات ورق ملون، ورنين شهقات مع إهتزاز الباص بتوقف مفآجئ ليلتقط لؤلؤة في محطة تنتظر على الموعد وفي يدها كتاب تقلب الصفحات، أو في محطة بها عدد من الآلأ لاتمل الإنتظار.

ثم يواصل باصنا المسيرة، ونحن بقاماتنا الصغيرة نحاول الوصول للجزء الغير مضلل من زجاج النوافذ، نرمق كل ماحولنا من جامد أو متحرك، بشر عصافير منازل سيارات، وأشجارخضراء تتخللها أشعة الشمس اللامعة، التي تسطع في وجوهُنا النّظرة، التي لا تعرف معنى للصعوبات، ولا تنشغل بالكدح والتحديات، فنحن أصغر من هذه المصطلحات، حيث أننا نعيش في وطن ذلل لنا كل الصعوبات.

نحن جيل لم يسير على الأقدام حتى يصل لفصل الدرس متعب مرهق فلا يستوعب درسه، نحن جيل عاش مرفه، تُسير له أسطول من الباصات، من شرقه إلى غربه بنين وبنات، قرى و مدن ومحافظات، في طرق معبدة.

نحن طالبات مكرمات كالزهرات في فازة مذهبة، يرافقها المرور كحرس شرف، لوفد التشريفات في بعض المسارات، لفك الإختناقات، وتسيير الزحام وتسهيله، هذا ماكان يحدث، وأنا ببرآءتي كنت أضنه من أجلنا يكن للإحتفاء بنا والتشريف، نعم هذا ماكان يمر في مخيلتي ، وأنا أركب الباص في أول يوم أمتطيت صهوته ، حينها شعرت وكأنني سندريلا في عربتها والأحصنة البيضاء تسير بها في تحليق لتصل قصر الأمير.

هل تعلمون ماهو قصري..؟ أنه مدرستي..

حين تجمُع الباصات في نهاية المشوارالصباحي، في يوم مُشرق بهيّ المحيا، أمام بوابة مدرستي، في توالٍ ننتظر دورنا في النزول، متلهفات لبعضنا البعض، نعم فباص المدرسة له باب لا أفتحه أنا بنفسي، بل يفتحه لي السائق، تماماً كالأميرات، كنت أرى نفسي أميرة>

أنزل منه بكل شموخ، لأرى حارس مدرستي يُفسح لنا الطريق باص تلو باص، ويتأكد من وصولنا بأمن وسلامة>

نعم هذا هو وطني، وهذا هو النقل المدرسي لدينا، تعلمت منه الإنضباط، والإلتزام بدقة المواعيد، تعلمت منه النظام والجلوس بهدوء في المقاعد والهدوء في أثناء الصعود والنزول، تعلمت من النقل المدرسي المحافظة على الممتلكات العامة فنحن في نعمة تتمثل في شبكة النقل والمواصلات، والطرق المعبدة.

هذا هو النقل المدرسي، الذي وفر لي الوقت والجهد لأحضر الطابور الصباحي بكامل أناقتي وهدوئي وشموخي، وألتقي بصديقاتي، وربما أُتم بعض واجباتي، التي صعب علي إتمامها في المنزل، أنجزتها قبل أن يبدأ الطابور وتبدأ الإذاعة الصباحية>

هذا هو النقل المدرسي، الذي وفر فرص عمل للعديد من المواطنين، وحدّ من الإزدحام المروري، والإنبعاثات والتلوث البيئي، و وفر وقت الآباء، كما وفر أجرة سائق خاص، فالنقل المدرسي مجاني>

تعلمت الشكر والإمتنان لله ،ثم لحكومتنا الرشيدة، فالنقل المدرسي يُعد من أهم البنود الرئيسية، التي تحقق للطالب يوم دراسي مستقر مثالي ومثمر، ومع نهاية اليوم الدراسي، نستمع للحارس وهو ينادي باص حي شمسان، باص حي الوردتين، باص حي الخالدية، باص حي.. و و .. ثم نطير كلنا كالفراشات نحو الباصات في رحلة العودة للمنازل فسندريلا موعودة ومحدودة بزمن تُقرع فية الأجراس.
أهذا ماتودين أن تحدثيني عنه يالطرقات..؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى