تمّ النقل

أ. شريفة عبدالقادر الحفظي
في عام ١٤٣٩ هجري تمّ نقلي من رجال ألمع إلى الإبتدآئية الثالثة عشر بأبها ، بعد طول إنتظار، وفي يوم مباشرتي لمدرستي الجديدة تأنقت وأنطلقت إليها باكرة، دخلت المدرسة مُنتشية كفراشة تطير لا إنسانه على الأرض تسير، تسلمت مهام عملي حيث أُسند إليّ أعمال النشاط، تعرفت على بعض الزميلات المتواجدات حولنا، ومن ثمّ أخذتني المديرة المؤقتة صفية حجازي إلى مكتبي في مكتب الوكيلة المسؤولة عني وفيه عدد من مكاتب الزميلات، وهنا كانت المفآجأة، أو ربما من هولها قد أسميها فاجعة لرهبتها تعددت أساميها، وأختلفت معانيها بإختلاف مشاعري حينها وتلون وجهي خجلاً ممن رأيت في المكتب، لا أعلم ماذا أقول.. !! أنني أحار في وصف ملامحها التي طمستها صدمتي فيها، فحبي لها أيضاً كان حاضراً بقوة صوتاً بداخلي يناجيها، أيُعقل أن تصبح (معلمتي) وأنا في الصف الأول متوسط زميلتي.. ؟
معلمتي (صالحه هادي).. كيف لا.. لا أحتمل.. وما عساني بربكم أُناديها فأنا.. من جيل (إحترام المعلمة).. وأخجل حتى من الحديث معها.. فمابالكم بالجلوس إلى جوارها في مكتب واحد، مستحيل.. أن يكون هذا أمراً يمر مرور الكرام توقفت ..تجمدت مكاني لدقيقة، ثم أقتربت منها على إستحياء، بخطى متثاقلة، فلابد أن أسلم عليها، ولكنها أمٌ رؤم، بادرت هي لعلمها بمدى تأدبي في حضرتها، عندما كنت أقابلها هي وباقي معلماتي في المناسبات العامة في مدينة أبها، وأخذتني بالأحضان، ورحبت بي، وأثنت، وقالت للمديرة ولمن حولنا، هذه طالبتي النجيبة، حينها هدأت قليلاً، ولكن عادت نفسي تُحدثني.. كيف سنعمل سوياً في مكتبٍ واحد..؟ هذا مالا أسطع عليه صبراً، فإلى أين المفر ياربي..!!
وبدأت من لحظتها في صراع الخجل من معلمتي، التي أوشكت على التقاعد في السن النظامي، نجحت في اليوم الأول وأستطعت الهروب منها و تذرعت بأني أرغب في التعرف على مرافق المدرسة، وفي اليوم الثاني قلت سأتعرف على الكادر التعليمي و الإداري، وفي اليوم الذي يليه أصبحت أبحث لي عن أعذار وأعذار لكي أتجنب تواجدي معها في المكتب بشكل مباشر، حتى لايدور بيننا حديث، وأضطر لرفع عيني في عينيها الحنونة، فأتلعثم ولا أكاد أبين، وتتهاوى أفكاري، وتختل أركاني، ويمر شريط أيام دراستي في المرحلة المتوسطة، كأنه يحدث للتو واللحظة، أسمع نغمات صوتها وهي تشرح الدرس بكل حرص، وأغمض عيناي فأرها تمر بين الصفوف تصحح الدفاتر، مرت الآيام تلو الأيام وأصبح لي في كل يوم حجة جديدة يتم الإعداد لها كتحضير الدروس، إلى أن جاء اليوم المحتوم، وكان وقت الفطور، حيث كنت قد عودتها بالهروب بحجة أنني أعمل على إنقاص وزني، فقالت أي رجيم هذا الذي لم يُبقي منك ولم يذر، وأمسكت بي أمام الجميع من كتفي وأستدارتني قائلة لماذا تهربين مني يابنتي..؟
قلت أنا لا أهرب منك.. لكن عملي كثير، وأحتاج إلى كل دقيقة من وقتي فأعمال النشاط لا تنتهي، فأعادت عليّ نفس السؤال وقالت أصدقيني القول!!
فقلت .. أنا أخجل منك.. نعم أخجل.. فأنتِ معلمتي، وأنا لا أتخيل نفسي وأنا أتعامل معك بكل بساطة كزميلة مثل أي زميلة، أتكلم معها، وأمازحها، وأشرب معها القهوة والشاي، لأن لك مكانة خاصة وإحترام وتقدير كمعلمتي الموقرة فلايمكن أن تتغير.. وطأطأت رأسي وقلت لها:
والله ياأبلى صالحة حاولت مراراً وتكراراً ولم أتمكن لم أستطيع تغيير نفسي وطبعي.. فالأمر أصعب بكثييير مما تتخيلين، أنا ياأبلى صالحة من جيل إحترام المعلمات.