مقالات

أين الأمانة العلمية

علي بن محمد بن سدران*

Listen to this article

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
  التاريخ ليس قصصًا تُرْوَى يحكيها كل من هَبَّ ودَب، إنما هو قول يؤيده الدليل والبرهان ومصادر موثوقة تُرْوَى بصدق عن الثقات، أما قول من حفظ كلمتين ويريد الدخول في مجاله فلا يستطيع السير فيه، لأنه سيصطدم بحقائق تفضحه وتبين كذبه، ومن الأكاذيب التي طالعناها بمواقع التواصل الاجتماعي ماورد في موقع (بوابة وادي فاطمة الألكترونية) يقول الكاتب تحت عنوان أسماه (معركة الباحة) : في عام (1229) ھ بالقرب من حصن بخروش بن علاس، وشارك فيها الأمير محمد بن دهمان، أمير رجال الحجر بعشرة آلاف مقاتل من بني شهر ورجال الحجر، بأمر من الأمير عبد الله بن سعود مع بقية قبائل عسير لعون قبائل غامد وزهران وفك الحصار عن بخروش ابن علاس وانتهت المعركة بانتصار قبائل عسير..) .
  وفي موقع آخر يقول كاتب آخر، ولعله نفسه: (شمران وغامد وبني شهر ، تجندل (20) ألف تركي في وادي زهران)، واستشهد بكتاب (ابن بشر ، عنوان المجد في تاريخ نجد) .
فأقول عن الخبر الأول :
  قوله (معركة الباحة) لم يكن هناك ما يسمّى بالباحة في ذلك العصر (1229) ولو كان مؤرخًا لعرف أنها (معركة وادي زهران) حسب قول المصادر التاريخية.
  قوله: (وشارك فيها الأمير محمد بن دهمان، أمير رجال الحجر بعشرة آلاف مقاتل من بني شهر ورجال الحجر بأمر من الأمير عبد الله بن سعود، مع بقية قبائل عسير لعون قبائل غامد وزهران وفك الحصار عن بخروش بن علاس، وانتهت المعركة بانتصار قبائل عسير..)
 ففي هذا القول حق وباطل، أمَّا الحق فهو مشاركة (الأمير محمد بن دهمان ورجاله) وقد فَصَل قبيلة بني شهر عن قبائل رجال الحجر لسبب ما.
وأمَّا الباطل فهو قوله مشاركة الأمير محمد بن دهمان: (بعشرة آلاف مقاتل من بني شهر ورجال الحجر، بأمر من الأمير عبد الله بن سعود، مع بقية قبائل عسير). وهذا العدد كما نعلم تَرَأَّسَه الأمير طامي بن شعيب، من جميع قبائل عسير التي كانت خاضعة لحكمه آنذاك، ولولا أمْرٌ من الإمام عبد الله بن سعود، للأمير طامي بن شعيب، الذي تجاهل هذا الكاتب ذكر اسمه، وليس لمحمد بن دهمان، كما ذكر الكاتب، لما تجشَّموا المجيء إلى وادي قريش لقتال الترك مع الأمير بخروش بن علاس. فانظر عزيزي القارئ إلى تجاوز هذا الكاتب للحقيقة وإقصائه البطل الأمير طامي بن شعيب، عن قيادة هذا الجيش وإظهار الأمير محمد بن دهمان، الذي لم تذكر المصادر التاريخية ترؤُّسه للقيادة، بالإضافة إلى جعل الجيش كله من (من بني شهر ورجال الحجر).
  وقوله : (وانتهت المعركة بانتصار قبائل عسير..) فيه إغفال لبقية الأبطال وقبائلهم من غير قبائل عسير، الذين حاربوا مع الأمير بخروش بن علاس الزهراني، وقبائله (بنو عُمَر). وهذا غمط لبقية القبائل والشيوخ وعلى رأسهم الأمير طامي بن شعيب المتحمي، الذي لم يذكره. وفيه تحزُّب وعنصرية واضحة لإظهار قبيلته بمظهر المسارعة لنجدة زهران، مع أنّ الأمير بخروش بن علاس الزهراني، لم يكن بحاجة إلى مساعدة من أحد، فحوله رجال زهران وغامد، ولكن لَمَّا أَمَرَ الإمام عبد الله بمساعدة الأمير بخروش بن علاّس، بهذا العدد من رجال عسير برئاسة رفيق دربه في الكفاح الأمير طامي العسيري، رحَّب بهم .
  وأما الخبر الثاني فيقول كاتبه (شمران وغامد وبني شهر، تجندل (20) ألف تركي في وادي زهران) فلم يذكر سوى ثلاث قبائل حاربت الأتراك في وادي زهران، مع أنَّ مصدره يذكر قبائل عسير وبعض الشيوخ الذين ورد ذكرهم في كتاب ابن بشر. وهذا تجاهل خطير لبقية القبائل فَلِمَ هذا التجاهل وهو يعلم أنّ النّقاد له بالمرصاد؟
  وأمَّا قوله عن هذه القبائل الثلاث: (تجندل (20) ألف تركي في وادي زهران) فهذا أيضا تجاوز واضح للحقيقة الهدف منه إظهار قوة هذه القبائل والتهويل من شأنها. وما ورد في كتاب ابن بشر وغيره، سوى (ألف قتيل) فقط، أمَّا هذه الزيادة فمن تخرصات الكاتب انار الله بصره وبصيرته للحقيقة. وقد قال الله تعالى في سورة النجم من الآية الكريمة : (32) ” فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ” .
  كما أنّ التاريخ لم يحفظ لهذه القبائل مطاردة فلول الأتراك مع الأمير بخروش بعد نهاية المعركة! وقد قال صاحب كتاب (البدو والوهابية : 2/283) : “وطارد بخروش تلك القوة الهاربة لمدة يومين وأثناء تلك المطاردة فقد الأتراك مرة أخرى كل الخيام والمدافع والمهمات والزاد ، ولقِي مئتا جندي تركي وثمانون فارسًا مصرعهم. فأين هذه الجيوش التي أتت لمساعدة الأمير بخروش لم تشترك معه في المطاردة؟؟
  أما تفاصيل تلك المعركة التي حدثت في وادي قريش وبالتحديد في قرية الحسن، حول قلعة الأمير بخروش، فوردت في كتاب ابن بشر المسمى : “عنوان المجد في تاريخ نجد” وفي غيره من الكتب، على النحو التالي : “وفيها أي في شوال (1229) سار طامي بن شعيب، برعاياه من عسير وألمع وغيرهم نحو عشرة آلاف مقاتل، وكان الروم قد ساروا من مكة والطائف بعساكر كثيرة نحو عشرين ألفًا من الأتراك والمغاربة، فحاصروا بخروش بن علاس، في أودية وادي زهران واجتمع عليه طوائف شعلان، ومن معه من قبائله، ومحمد بن دهمان، ومن معه من قومه، وابن حابش وغيرهم، وحصلت المواقعة بين الروم وتلك الجنود الحجازية والتهامية قرب حصن بخروش، فاقتتلوا قتالاً شديدًا فانهزم الروم هزيمة شنيعة، فغنم المسلمون خيامهم ومحطتهم وزهبهم وأزوادهم وبغالهم،وقتل من الروم مقتلة عظيمة أكثر من ألف رجل، ولم يسلم منهم إلاّ من هرب على الخيل” .
  فتأمَّل عزيزي القارئ كيف أن بعض الكتبة يزورون التاريخ، ليسير على هواهم. فليت مَن يكتب عن التاريخ خاصة، يلتزم الصدق والحياد، ويبتعد عن التزوير والعنصرية البغيضة التي تفشَّتْ هذه الأيام في أغلب كُتّاب هذا العصر. فإنّ الأمانة العلمية تقضي إيراد الحدث كما ورد في المصدر؟ وصلى الله على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم .

  • مؤرخ سعودي زهراني له عدد من المؤلفات التاريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى