أحوال خاصالرئيسية

من الحرفية إلى الحماسية.. تاريخ تعديل السيارات يلامس المستقبل في مكة يارد

Listen to this article

أحوال – غميص الظهيري:

تحوّلت السيارات من مجرد وسيلة للنقل إلى منصات إبداع متحركة، تنبض بالشغف والابتكار، كما جسّدته فعالية “مكة يارد” التي استمرت على مدى ثلاثة أيام وجمعت عشاق السيارات المعدّلة في أجواء مدهشة تحتضنها العاصمة المقدسة. هنا، لا تكتفي العجلات بالدوران، بل تروي قصصاً من الجرأة الهندسية، والبصمة الفنية، والتعبير الشخصي الذي يجعل من كل مركبة “هوية تمشي على أربع عجلات”.

 “مكة يارد”: معرض للخيال الميكانيكي

فعالية “مكة يارد” ليست مجرد تجمّع للسيارات المعدّلة، بل مهرجان متكامل يسلّط الضوء على ثقافة جديدة تتنامى في أوساط الشباب السعودي، حيث يتحول الحديد والهيكل والمحرّك إلى لوحات تفاعلية تمزج بين العلم والفن. حضر الفعالية نخبة من محترفي التعديل، وشارك فيها عشرات الهواة والمحترفين الذين استعرضوا مركباتهم المجهزة بتعديلات تتنوع بين الأداء والتصميم والإضاءة الذكية وحتى أنظمة الصوت، فيما خُصصت جوائز للمراكز الأولى في فئات مختلفة.

 من أين بدأت الحكاية؟

تعود بدايات تعديل السيارات إلى عشرينيات القرن الماضي، حين بدأ شباب كاليفورنيا في الولايات المتحدة بتفكيك سياراتهم القديمة – خصوصاً طرازات “فورد موديل T” – وتخفيف وزنها وتركيب محرّكات أقوى، بهدف تحقيق سرعات أعلى في سباقات “Hot Rod” التي أقيمت على المسطحات المالحة جنوب كاليفورنيا.

وفي خمسينيات القرن الماضي، بزغ نجم جورج بارِّس، الذي يُعد أول من نقل تعديل السيارات من الجانب الميكانيكي إلى الجمالي، إذ ابتكر تصاميم خالدة مثل سيارة “باتموبايل”، وأسّس لموجة “Kustom Kulture” التي تعاملت مع السيارة كمنصة للتعبير الشخصي.

 أنواع التعديلات: بين الأداء والفن

• تعديل الأداء: يشمل تعزيز المحرّكات، تركيب شواحن توربينية، تعديل أنظمة العادم، تحسين التعليق، وتطوير أنظمة المكابح، بهدف رفع مستوى التسارع والثبات.

• التعديل الجمالي: يتمثل في تغيير شكل الهيكل الخارجي، تعديل الطلاء، الإضاءة، الحواف والانسيابية، والتصميم الداخلي ليعبّر عن شخصية المالك.

• التعديل الإلكتروني: إدخال تقنيات حديثة كأنظمة القيادة الذكية، الشاشات الرقمية، أنظمة الإضاءة الصوتية، وربط السيارة بتطبيقات ذكية.

في “مكة يارد”، تنوّعت السيارات المعروضة بين الأمريكية الكلاسيكية، واليابانية الرياضية، والأوروبية الفاخرة، حيث تبارى المشاركون في تقديم سياراتهم بتعديلات فريدة، بدءًا من “نيسان جي تي آر” و”فورد موستانج”، وصولًا إلى سيارات “دودج تشارجر” و”BMW M-series”، في مشهد يعكس عمق الثقافة الجديدة لدى الشباب السعودي.

 التعديل في السعودية.. من الهواية إلى الاحتراف

شهدت المملكة خلال السنوات الأخيرة طفرة في ثقافة تعديل السيارات، بدعم من الجهات المختصة التي بدأت بتنظيم المعارض والفعاليات، والسماح بإنشاء ورش تعديل مرخّصة ضمن ضوابط فنية وسلامة. وتنامى عدد الورش المتخصصة، وتم إدراج فئات السيارات المعدّلة في معارض عالمية مثل “أوتوفيل” في الرياض، و”أوتو شو” في جدة.

ومع دخول تخصصات هندسة الميكانيكا والذكاء الاصطناعي في صناعة التعديل، بات عدد من السعوديين ينافسون على جوائز دولية، ويقدّمون نماذج سياراتهم في معارض بألمانيا والإمارات واليابان.

 تعديل السيارات.. لغة شبابية جديدة

تعديل السيارات لم يعد مجرد هواية، بل أصبح وسيلة للتعبير عن الهوية الشخصية، ومنفذًا للإبداع، وقطاعًا اقتصاديًا واعدًا يمكن أن يوفّر وظائف، ويفتح أبوابًا أمام ريادة الأعمال. كما يساهم في تعميق وعي الشباب بقضايا مثل السلامة المرورية، وجودة الصناعات الوطنية، وحقوق المستهلك.

وفي فعالية “مكة يارد”، كان المشهد واضحًا: مئات الزوار من مختلف الأعمار يلتقطون الصور، يناقشون تفاصيل السيارات، ويستعرضون المقصورات المضيئة، في أجواء تُشبه عروض المستقبل، لكنها من صناعة الحاضر السعودي.

 جائزة الفعالية: تكريم الإبداع

حصل الفائز بالمركز الأول على سيارة معدّلة بالكامل، إلى جانب جائزة مالية تجاوزت 50 ألف ريال سعودي، إضافة إلى عقود رعاية محتملة من شركات متخصصة في الزيوت والإطارات وقطع الأداء. وذهبت الجوائز الأخرى لأفضل تصميم داخلي، وأفضل صوت محرك، وأفضل سيارة كلاسيكية معدلة، وأفضل أداء سباق.

في الختام

إن المشهد الذي صنعته فعالية “مكة يارد” ليس احتفالًا بالسيارات فحسب، بل تكريمًا لعقول الشباب الذين حوّلوا أدواتهم من المفك إلى الريشة، ومن الحديد إلى الخيال. إنها رسالة واضحة بأن المستقبل تصنعه الأيدي المتقنة، والعقول الشغوفة، والقلوب التي تعرف أن الإبداع لا يُختزل في الكلمات، بل يُكتب على الطرقات.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. صورة حية متكامله أبرزت مهارات الشباب السعودي
    ومدى إبتكارهم وصنع الشي من لا شي
    نشكر هذا التقرير من الاعلامي القدير
    غميص الظفيري

  2. شكرا لأخي المتألق غميص الظهيري على هذا المقال الذي التقط بروح فنية نبض فعالية “مكة يارد”، وأبرز كيف تحولت السيارات المعدلة إلى لوحات فنية تعبر عن هوية وابتكار الشباب السعودي. كانت تغطيتك غنية بالمعلومة، عميقة في الطرح، وملهمة في الرسالة.
    لم تعد السيارات مجرد وسائل نقل، بل مساحات للإبداع، ومنصات تعبر عن شغف يتقاطع فيه الفن، والهندسة، والثقافة الشبابية المتجددة.

  3. الكاتب الاستاذ غميص الظهيري ابدع في ايصال المعلومة عن المعرض وتفنن في في توظيف الكلمات في ابراز شغف الشباب في هواياتهم الفنية مما جعل القارئ يشعر كانه يتجول في المعرض ويشاهد الفعالية من خلال الكلمات من ابداع وتألق الى الاحترافية يا كاتبنا الكبير

  4. الإعلامي البارع هو الذي يجعلك تعيش الحدث من خلال مقاله .
    نشكر الإعلامي الكبير العم غميص على هذه النبذه المختصره والواضحه عن السيارات المعدلة

زر الذهاب إلى الأعلى