مقالات

مشروع ضخم .. بدون رأسمال

Listen to this article

بخيت طالع الزهراني

.

جارنا أبا أحمد روى لي هذه القصة، يقول:

ذات مرة، مرض حارس عمارتنا حتى رأى الموت بعينيه، انفجرت أمعائه، ثم سمعت أنينه، وأسرعت أحمله إلى المستوصف الأهلي – قبل الفجر.

أعطوه مسكنا، ثم أخبروني أن حالته خطيرة وتحتاج مستشفى.

أعدته للبيت، الحارس ليس لديه مصاريف العلاج، وأنا كذلك، والمستشفى الحكومي دهليز غامض لا تعرف أغواره.

اتصلت بعد طلوع الشمس، بصديقي الطبيب الجراح بالمستشفى الأهلي، وطلب مني أن أحضر له مريضنا على وجه السرعة.

شكرته .. ثم شكوت له ضيق ذات اليد لكلينا، الحارس وأنا

أجاب: (هاته وما يهمك)؟!

تمت العملية بنجاح، فقد تم استئصال الجزء المتهتك من أمعائه، وتم تنظيف المكان من بقايا أرز وغيرها، وعمل خياطة وتوصيل للأمعاء.

زرته أربع مرات، وقبل أن نخرجه معافى، مررت بعيادة صديقي الطبيب … فقال لي – المفاجأة ….

قال: إنه يعرف رجل أعمال فاضل – صديق له، طلب منه أن تكون كل عمليات الفقراء على حسابه.

يا اللللله …

قلتها وأنا اعتدل في جلستي، فتحت فيّ بكامل اتساعه، فركت عيني، وكأنني أقول غير مصدق (ماذا تقول)؟

انتهت القصة، وهي بالمناسبة قصة حقيقية مئة بالمئة …

انتهى …

..

وأقول لكم أنا ….

إن رجل الأعمال ذاك، لديه مال كثير، ولم ينس أن يجعل لنفسه (مشروع حياة)، وشاركه في الأجر الطبيب، وأيضًا جاري الذي نال نصيبًا من حنوه على حارسه.

.

لكن ما مشروعنا – أنا وأنت – إن لم يكن معنا مال كثير .. هل تم اغلاق أبواب الخير في وجوهنا …

 لا .. وألف لا

كيف إذن ؟

المعلم عندما يحنو على طالب بين يديه، فقيرًا كان أو يتيمًا أو يعاني متاعب نفسية، ثم يأخذ بيديه ويضعه على الطريق الصحيح.

الموظف الذي لا يشمخ بأنفه، ويترفق بمراجعيه ويحسن خدمتهم باللين والإخلاص، وربما التجاوز عن بعض الاشتراطات غير المؤثرة.

الجار الذي يكون “قطعة سكر” لجاره، إن حضر أنس به وسعد، وإن غاب حفظ حقه، ولم يسطو على حدوده.

وذاك الذي إن سمع بخلاف بين اثنين، هبَّ مسرعًا لتهدئة الأمور، دون أن يستكين للعبارة الشريرة (وأنا إيش دخلني)

.

كل هؤلاء وغيرهم يضيفون لرصيهم البنكي من الحسنات “ما الله به عليم” وهم لا يدرون.

هؤلاء الفضلاء النبلاء كسبوا وافر الحسنات (ببلاش) ولم يدفع أحدهم قرشًا واحدًا من جيبه.

مثل هؤلاء هم من أسس لنفسه (مشروع حياة)، كفلسفة شخصية يتعامل بها، كمنهج خاص يسير عليه … ولذلك يظل الواحد منهم “أيقونة” وسط مجتمعة، شمعة وضاءة لا تنطفئ أنوارها – حتى وإن مات وصار مع أهل القبور.

.

وغيرهم تراه عبئًا على من حوله، مصدر نكد، وباعث شر، أنانيا حقودًا .. وحتى لو ضحك له الناس مجاملة أو هروبًا من شره، فان لعنات الدهر تطارده، وسخط الناس يلاحقه.

يعيش مكروهًا مذمومًا …. ويموت غير مأسوفٍ عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى