مقالات

جارتنا أنيسة…!

Listen to this article

 

بقلم – فاطمة بنت عبدالله الدوسري

ليس للموضوع علاقة بالجيران أو حقوقهم، التي تصل إلى سابع جار، وربما تتخطى هذا العدد، بل أننا لسنا بحاجة إلى تذكرها الآن،  لأن مفهوم الجيرة لم يعد قائم، أو أنه في مرحلة تلاشي، خاصة في المدن، في ظل التحفظ والتقوقع، فالجيران أصبحوا عالما افتراضيا، مجرد وجوه تلتقي أمام أبواب متجافية، يتجاهل بعضها البعض بالتفاته أو بالعودة إلى داخل المنزل مرة أخرى.

حقيقة أصبحنا غرباء، إلا من رحم ربي.

وسط هذا المتغير الكبير، والحياة كلها متغيرات لا تهدأ.

 تظل جارتنا أنيسة شيئًا لا ينسى بملامحها المريحة، وروحها اللطيفة، تدهش بعفويتها، وتلقائيتها وعطاءٌ فوق العادة، تهفو إليها القلوب والأرواح، تتفرد بسلوكها مع الجميع على مسافة واحدة.

فعلا مدهشة ….

تبدد الظلام والوحشة، وتستدفئ على كلماتها أرواح كلت من الجفاء وبرودة الأيام، حتى نحن الأطفال في ذلك الزمن كانت تفرد لنا وقتًا للنصح والمزاح، وأحيانا مشاركتنا لعبة لا تذهب وقارها.

وبالإضافة إلى ذلك اشتهرت بطبخ ألذ هريس تذوقته في حياتي، ولا أعتقد أن هناك من يجيده مثلها، كانت تعد الهريس في قدر كبيرة، ثم ترسل طبقا لكل جارة. وبالتالي عندما تعود لها الأطباق تكون مليئة ومنوعة، هذا التناغم والسعادة ورفاهية الوقت التي نقضيها مع أبنائها وبناتها في اللعب، أعطتنا مؤشرات القبول والاحترام للآخرين.

ومع مرور الأيام كبرنا، وتعلمنا، وأصبحت لدينا معارف، وسرى الهمس بين الأزقة، وكفت النساء عن زيارة الجارة اللطيفة، التي لم تكف ابتسامتها وعذب كلماتها وطعامها…

وفجأة انتقلت الجارة وعائلتها من الحي، بعد أن جف رافدها، وعاشت الغربة بين من كانوا أحبتها، قالت أمي: “الله يستر عليهم”، ولم تكن في وداعها رغم أنها أرسلتني لها بإهداء.

في وقت لا حق عرفنا أن هناك جدار صلب من مفاهيم القبول والرفض يفسره الناس وفق خلفية ثقافية، أو معتقد يلقي بظلاله على العلاقات العامة والخاصة بين الأفراد.

ظلت والدتي رحمها الله تتحسر على تلك الجارة، التي لم تجد مثلها، ولا تتوقف عن ترديد” يا ليتهم كانوا مثلنا”.

دائمًا الرؤية من ثقب ضيق بناء على وجهة نظر لا انعكاس لها. تنذر بعواصف الفرقة والخلاف، لماذا لا نتعايش بمحبة  ما دامت حمائمها ترفرف حولنا ،ما دمنا نتوسد نفس الحلم، ونعيش نفس الواقع، فنحن بشر ولسنا قوالب طوب.

هل هي المعرفة التي تمنعنا من قبول الاختلاف على جمالياته؟ .. من يمنع الرسام عن تجسيد الحياة بريشته، أو العالم أن يكشف المخاطر، أو المهندس أن يعدل المسار، أو.. أو…. إلى مالا نهاية .. نختلف في طريقة التفكير وتحقيق الرغبات، وترجمة الأحلام، والتعبير عن الاحتياجات، ونجتمع عند كلمة التوحيد

“لا إله إلا الله” .. العروة الوثقى التي لا انفصام لها.

نبض …..

إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما    

وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما

“أحمد شوقي”

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تلك الجفوة والفرقة الناجمة عن اختلاف العرق أو المذهب او الجنس  او اللون..صنيعة بشرية لإشباع حاجات خاصة لدى بعض البشر  كالشعور بالفوقية والاستعلاء والتفرد .

    بيننا الخالق  الذي أوجدهم قال في محكم كتابه:

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

زر الذهاب إلى الأعلى