مقالات

الحنين لا يغادر.. إنه فقط يختبئ بين الصور والرسائل

Listen to this article

أ. سهام ورقنجي

في زوايا الذاكرة هناك رفوف لا تصلها يد ولا يُغلق بابها.
على تلك الرفوف تقف صور قديمة، ووجوه غابت وضحكات ما زالت تتردد في الصمت.
رحل أصحابها ولكن ملامحهم بقيت معلقة في جدران القلب تمامًا كما تُترك رسالة بخط اليد في درج لا يُفتح إلا عند الحنين.

الزمن لا ينتظر أحدًا يمضي كما يشاء.
يغير الملامح، يهدم الأماكن، ويبني غيرها، لكن هناك ما لا يتغير.
الصور تبقى، والرسائل تبقى، وحتى التفاصيل الصغيرة التي لا يراها سوانا.
تبقى قطعة قماش أحتفظنا بها من قميص قديم، أو رائحة عطر مرت من أمامنا مصادفة، أو كلمة قالوها ذات يوم وما زالت تتردد في دواخلنا وكأنها لم تغب.

الحنين لا يحتاج إذناً للدخول، ولا يعترف بالمناسبات.
يأتي فجأة، وربما على إستحياء، كضيفٍ يعرف طريقه جيداً إلى القلب.
يأتينا على هيئة لحظة، أو صوت، أو مشهد عابر في طريق أعتدنا أن نسلكه مع من كانوا يوماً كل الحياة.
هو ليس ضعفاً كما يظن البعض، بل دليل حيّ على أن الروح لم تتجاوز.. وأن المحبة لا تموت.

نحتفظ بالصور ليس لأنها جميلة، بل لأنها تشهد أننا عشنا، وأننا أحببنا، وأن هناك من ترك فينا ما لا يمكن للوقت أن يمحوه.
الصور لا تجف، والرسائل لا تشيخ، وكل ذاكرة تحمل داخلها روح من مرّوا بنا وتركوا خلفهم أثرًا أكبر من الغياب.

نحن لا ننسى، فقط نُخبئ الذكرى في مكان آمن من أنفسنا، حتى إذا جاء الليل أو باغتنا الشوق، عدنا إليها كمن يعود إلى البيت الأول، حيث كل شيء مألوف وإن تغير الزمان.

في النهاية، لا بأس أن نترك للحنين مقعداً بجوارنا، لا بأس أن نُصافح صور من رحلوا، وأن نقرأ رسائلهم من جديد بصوتٍ خافت.
فالذكرى لا تُنسى، لأنها لم تكن يومًا حدثًا عابرًا، بل حياة كاملة ما زالت تتنفس داخلنا.

وبين لحظة وأخرى، حين يطرق الحنين باب القلب، لا تغلقه.. فقط افتح له، ودعه يحكي لك من جديد عن الذين ما زالوا هنا، ولو لم يعودوا بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى