مقالات

هيئة الصحفيين السعوديين: حين يبدأ الإعلام من الإنسان

Listen to this article

بقلم: د. غالب محمد طه
كل مهنة تبدأ من سؤال: لماذا نفعل ما نفعل؟
أما مهنة الإعلام، فغالبًا ما تبدأ من سؤال آخر: لمن نكتب؟ وماذا نكتب؟ وهل الحقيقة كما تُروى؛ هي الحقيقة كما حدثت؟
ورغم تعدد الوسائط وتطور الأدوات، يظل جوهر الإعلام ثابتًا: هو الإنسان، فهو الغاية ، والمعيار الحقيقي للأداء بوعيه وموقفه وتأثيره.
لذلك، لا يمكن النظر إلى الإعلام كمهنة تقليدية فقط، بل باعتبارها عملية إنسانية في المقام الأول وقبل أن تكون تقنية الإعلام اليوم ، يتطلب وعيًا، وموقفًا، وتفكيرًا دائمًا بسؤال: ما أثر ما نقول؟ ومن نخاطب؟
وهذا هو بالضبط ما تحاول  هيئة الصحفيين السعوديين ترسيخه في رؤيتها، التي تركز على تمكين الإعلامي السعودي فكريًا ومهنيًا، دون أن يفقد بوصلته في المستقبل.
الرؤية التي تتبناها الهيئة لا تلاحق التحوّلات التقنية فقط، بل تحرص أيضًا على تعزيز القيم الإنسانية ، ولهذا، تبدو جهودها مركّزة على التدريب النوعي، والانفتاح المهني، وصناعة بيئة إعلامية مسؤولة.
ولعل من أبرز الأمثلة التي تعكس هذه الرؤية الطموحة، ما يحدث في فرع الهيئة بمحافظة حفر الباطن. وهي بلا شك من بين النماذج التي لفتت انتباهي مؤخرًا، فالتجربة تستحق التوقف عندها، بعيدًا عن المدح والتبجيل، وقريبًا من الواقع والتفاصيل؛ لأنها لم تكتف برفع الشعارات، بل اشتغلت على محور الإنسان، من خلال ورش تدريبية، وتأهيل مستمر، ومسار طويل الأمد لتطوير أدوات الإعلاميين. ويبدو أن القائمين على فرع الهيئة في حفر الباطن يدركون تمامًا أهمية دور الإعلاميين في مدينة تشهد نموًا وتطورًا ملحوظًا، ويعكسون ذلك من خلال جهودهم المستمرة في دعم وتطوير مهارات الإعلاميين بما يتناسب مع والنمو الكبير الذي  تشهده المحافظة.
ما يلفت في هذه التجربة أنها لم تبدأ من الحقائب التدريبية الجاهزة، بل يبدو أنها انطلقت من أسئلة بسيطة وواضحة:
كيف نعيد للإعلامي أدواته؟ وكيف نؤهله للعمل في  ميدان يتغيّر كل يوم؟
هذه الرؤية ليست مجرد تنظير، بل تجد لها تجسيدًا عمليًا في تجربة  هيئة الصحفيين السعوديين، وخصوصًا في فرعها بمحافظة حفر الباطن. هناك، لم يُكتف بالشعارات، بل بدأت رحلة حقيقية لصناعة إعلامي قادر على مواكبة المشهد الحديث. تجربة تنطلق من أسئلة واضحة: كيف نعيد للإعلامي أدواته؟ وكيف نؤهله لميدان يتغير كل يوم؟
ما يميز التجربة هو الوعي بأن الإعلام لم يعد تقليديًا، بل صناعة رقمية ثقافية معقدة، تحتاج إلى تدريب نوعي، وورش عمل فالحقائب التدريبية الحديثة المقدمة تُعتبر مدخلًا متكاملًا لتمليك الإعلاميين مفاتيح المستقبل المهني. ويكفي أن نلقي نظرة على عناوين الدورات: من الذكاء الاصطناعي، إلى الأمن السيبراني، مرورًا بفنون المحتوى واللغة العربية المتخصصة. كل ذلك يأتي  مقرونا في سياق استراتيجي يراهن على الطاقات الشابة بوصفها الأقدر على التفاعل، لا تلقي المعرفة فقط، بل إعادة إنتاجها.
ومن الجوانب اللافتة في هذه التجربة أيضًا الشراكة بين  هيئة الصحفيين السعوديين وجامعة حفر الباطن، حيث تُقام الورش التدريبية ضمن برنامج “الصحافة الرقمية والإعلام الجديد”. هذه الشراكة أضفت بعدًا أكاديميًا مهمًا على البرنامج، وأسهمت في توسيع أثره وتطوير محتواه بما يواكب طبيعة التحولات في المهنة.
التجربة في حفر الباطن لا تمثل فقط تطورًا محليًا، بل هي امتداد لرؤية شاملة تنبع من  هيئة الصحفيين السعوديين، التي تضع أولويات التدريب المستمر والحديث في صميم جهودها. هذه التجربة تقدم نموذجًا يمكن توسيعه ليشمل العالم العربي بأسره. وفي السياق العربي، يشكل هذا النوع من التحوّل تحديًا حقيقيًا للعديد من المؤسسات الإعلامية، التي لا تزال تعاني من فجوة بين التأهيل الأكاديمي والممارسة العملية، وبين الإعلام التقليدي ومتطلبات العصر الرقمي. إن تجربة  هيئة الصحفيين السعوديين في هذا المجال يمكن أن تصبح مصدر إلهام لبقية البلدان العربية التي تحتاج إلى تجديد خطابها الإعلامي وتحسين أدوات الإعلاميين لتواكب التغييرات المتسارعة في التقنيات والمحتوى. وهذا ليس من باب المدح، بل من باب الضرورة
فلم يعد التأهيل الأكاديمي وحده كافيًا في مهنة تتغير ملامحها كل يوم مثل الإعلام؛ فالقيمة الحقيقية لا تكمن فيما نعرفه فقط، بل في قدرتنا على تحويل هذا المعرفة إلى أداء حي ومتطور يواكب إيقاع العصر؛ من هنا، يصبح الربط بين النظرية والممارسة، وبين التعليم والتدريب المستمر، هو الفارق الجوهري بين من يكرر ما يُقال، ومن يُضيف إلى ما يُقال، ويصنع فرقًا.
لذلك، لا يبدو مستغربًا أن يكون هذا النموذج في دائرة الضوء؛ ليس لأنه استثنائي، بل لأنه واقعي، ومنطلق من أسئلة حقيقية واحتياجات ملموسة
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نثمّن جهود  هيئة الصحفيين السعوديين، وبشكل خاص فرعها في حفر الباطن، لما يقدمه من نموذج حي يُجسّد أن الإعلام يبدأ من الإنسان، ويُبنى بسعي مستمر نحو الفهم والتطوير.
فالإعلام، في نهاية المطاف، لا يُقاس بما نعرف، بل بما نصنع، وبقدرته على أن يكون صوتًا واعيًا يعكس روح العصر ويواكب تحولاته.

المصدر: https://annahar-news.com/news/single/20950
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى