حين يتحول الترفيه إلى تهديد صامت

أ. طارق العريدي
في ظل التحوّل الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات. ولم تعد مجرّد منصات للتعارف وتبادل الصور، بل تحوّلت إلى أدوات مؤثرة في الإعلام، والتعبير عن الرأي، بل وحتى في تشكيل السياسات العامة وصناعة القرار.
إذ تُعد منصات مثل “X”، و”فيسبوك”، و”إنستغرام”، و”تيك توك”، ساحات مفتوحة للتفاعل اللحظي، يتبادل فيها المستخدمون الأفكار والمعلومات، ما أسهم في تسريع نقل الأخبار، وتعزيز الوعي بالقضايا الاجتماعية والإنسانية. كما أفسحت هذه المنصات المجال أمام الشباب ليكونوا مؤثرين في مجتمعاتهم، وفتحت لهم آفاقًا مهنية في مجالات التسويق الرقمي وصناعة المحتوى.
لكن رغم هذه المكاسب، لا يمكن إغفال الوجه الآخر لهذه الوسائل. فقد أدى سوء استخدام البعض لها إلى نشر الشائعات، والتحريض على الكراهية، وتصاعد ظاهرة التنمر الإلكتروني. كما تسببت في المساس بخصوصية الأفراد، وأسهمت في تفكك بعض العلاقات الاجتماعية التقليدية، نتيجة الانشغال المفرط بالعالم الافتراضي.
وعلى الصعيد النفسي، أظهرت دراسات حديثة أن الإفراط في استخدام هذه المنصات، لا سيما بين فئة المراهقين، يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب، نتيجة المقارنات المستمرة، واللهاث وراء الإعجابات والمتابعين.
لهذا، تبرز الحاجة اليوم إلى تعزيز الوعي الرقمي، وترسيخ ثقافة الاستخدام المسؤول، بما يضمن تحقيق الفائدة القصوى من هذه الوسائل دون الوقوع في سلبياتها. وتقع على عاتق الجهات المعنية مسؤولية سن التشريعات والضوابط الرقمية التي تضمن بيئة إلكترونية آمنة، تحترم القيم الإنسانية وتكفل حرية التعبير ضمن أطر واضحة ومنضبطة.
تبقى وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدّين، واستخدامها الأمثل لا يتحقق إلا بوعي متجدد، يحوّلها من منصات للترفيه والاستهلاك إلى أدوات فاعلة في خدمة الإنسان والمجتمع.