رسالة مفتوحة لمعالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية

أ. شهوان بن عبد الرحمن الزهراني
من الثابت أن الإسلام نظام مبني على التكافل والتعاون والإخاء وقد شرع الله عز وجل الزكاة وحدد من لدنه سبحانه وتعالى أصناف المستحقين ولم يترك ذلك لنبي مرسل ولا اجتهاد أحد من البشر، وقد أجتهد الفقهاء في تحديد مستوى الحالة المعيشية لكل من الفقير والمسكين المستحق للزكاة، ولم يكن هناك تحديد شامل ودقيق لتعريف الفقير والمسكين باعتبار إن الحالة تختلف من زمن إلى زمن، فحالة الفقير والمسكين قبل قرن أو عشرين سنة مثلاً غير حالته الآن وستكون فيما بعد مختلفة أيضاً عن الحالة اليوم. واعتقد أن المقياس والمعيار لاستحقاق الزكاة هو مدى توفر القدرة المالية لدى كل شخص لتوفير الضروريات في الحياة، وهي في هذه الحالة أصبحت كثيرة جداً، فتكاليف الحياة اختلفت وأصبح الإنسان يحتاج إلى وفرة مالية حتى تتحقق له ضروريات الحياة، من المآكل والملبس والسكن اللائق.
وقد اهتمت الحكومة بهذه الفئة منذ عقود طويلة، فأنشأت مصلحة الضمان الاجتماعي منذ عام 1382هـ، واستمرت الدولة في دعم هذه الفئة فتعدلت المخصصات المالية بشكل تصاعدي متسارع تبعاً لتطور الحياة في المملكة العربية السعودية، ولم يشعر المستحقون بأي تعنت أو إجراءات أو تأخير في المستحقات، فقد كانت الإجراءات الخاصة بتحديد المستحقين والمخصصات المالية واضحة وسهلة ولا تتطلب أي إجراءات جديدة، حتى وفاة المستحق، وكان المستحق للضمان يعلم أنه متى صدرت الموافقة على صرف الإعانة المالية له فقد تم توفير دخل مالي مستدام طوال حياته، وتكون فرحته كبيرة بهذا الإجراء.
وشخصياً لمست ذلك عن قرب فقد عملت في مصلحة الضمان الاجتماعي بالمندق لمدة شهرين في عام 1396هـ كمتدرب في العطلة الصيفية أثناء دراستي الجامعية، وقد تم تكليفي بمهمة استقبال المراجعين الذين ينتظرون صدور الموافقة على صرف الضمان الاجتماعي لهم، وقد رأيت بأم عيني تلك الفرحة الكبيرة عند هؤلاء رجال ونساء حينما أخبره بصدور الموافقة له بمعاش الضمان. وكانوا يلهجون بالدعاء لله سبحانه وتعالى ثم لكل من ساهم في الإجراءات حتى صدور الموافقة فكانت دعواتهم لولاة الأمر تؤكد قوة العلاقة بين هؤلاء وولاة الأمر ودعواتهم لمنسوبي مصلحة الضمان الاجتماعي تدل على حاجتهم الكبيرة لمثل هذا المورد المالي.
بيد أنه في الفترة الأخيرة صدرت بعض التعليمات والقرارات لم يراعى فيها أحوال هذه الفئة من مستحقي الضمان الاجتماعي، فهي قرارات وتعليمات وشروط لا تنطبق على الواقع بشكل دقيق، باعتبار أن الغالبية العظمى من هذه الفئة لا تجيد القراءة والكتابة، فضلاً عن كيفية التعامل مع الأجهزة الحديثة من كمبيوتر وأجهزة جوال وغيرها.. فكيف يتم اشتراط تحديث البيانات من هذه الفئة وحرمانهم من الإعانة إذا تخلفوا عن التحديث، أو لم يتم الرد على الاتصال، أو اشتراط عقود إيجار أو خلافها من الشروط، ثم لماذا التحديث أصلاً ما دام تمت الموافقة سابقاً على شمولهم بالضمان الاجتماعي، وهل يعقل أن تتغير الحالة من مستحق للضمان إلى غير مستحق في خلال فترة وجيزة.
ومما زاد الطين بلة هؤلاء الباحثين الميدانيين فيبدو أنهم يرون أن مهمتهم هي البحث عن الأسباب التي تحرم الشخص من الاستحقاق، وليس رفع الحالة بأنه مستحق، فمجرد النظر إلى أثاث البيت أو وجود أطعمة في الثلاجة أو وجود بعض العاب الأطفال أو النظافة العامة للمنزل لا يمكن التعويل عليها بأي حال من الأحوال في حرمان المواطن من حقه في الضمان، فليس من المعقول أن يطالب مستحق الضمان بأن يعيش في بيت لا يوجد فيه أثاث ومفروشات وأجهزة وطعام وملابس ملائمة لحالة الشخص. فهناك طرق وأساليب يمكن معرفة مدى استحقاق الضمان من عدمه ومن ذلك:
1- مخاطبة مؤسسة التأمينات الاجتماعية لمعرفة مدى حصول الشخص على معاش تقاعدي ومقدار المعاش. بحسبان أن كثير من أصحاب هذه المعاشات يكون معاشهم زهيدة جداً.
2- مخاطبة البنك المركزي لمعرفة مدى وجود حساب بنكي للمستفيد غير الحاسب الذي يودع فيه مخصص الضمان.
3- مخاطبة وزارة التجارة عن مدى وجود سجل تجاري باسم الشخص.
4- الإطلاع على بطاقات الهوية لمعرفة مهنة الشخص، فالأرامل وبخاصة كبيرات السن اللواتي لا عائل لهن وكذلك من فاتها الزواج من النساء وليس لهن عائل فهذه الفئة لا أرى أن هناك من هو أولى بالرعاية منهن.. وكذلك الرجال الذين يعولون أسرة كبيرة والدخل لا يكفي لتوفير حياة كريمة لهم.
ولا شك أن التطور في خدمات الحاسب الآلي في المملكة بلغت درجة كبيرة وشملت كافة القطاعات الحكومية ولعل وجود المركز الوطني للمعلومات يغني عن كثير من الإجراءات التي يقوم بها الباحث الميداني، ومن هنا فيمكن من خلال هذه الشبكة المعلوماتية معرفة حالة الشخص المستحق للضمان من عدمه دون الحاجة لهؤلاء الباحثين الميدانيين بل يستحسن الاستغناء عن خدماتهم وتوفير رواتبهم لصالح الفقراء والمساكين، لأن الروايات التي تحكى عن بعضهم عند مقابلة الأرامل والمستحقين للضمان تشير إلى أن هؤلاء يتعاملون بشي من التعالي ويسعون إلى حرمان الأشخاص ويناقشونهم باستعلاء وكأنهم سيدفعون من جيبوهم، وليس من مخصصات الضمان التي تدعهما الدولة بسخاء.. لرفع المعاناة عن هؤلاء الذين لا يجدون مورداً مالياً في حياتهم.
ومن هنا اعتقد أن الأمر يحتاج إلى سرعة إعادة النظر بصورة شاملة لهذا الجانب الإنساني وترتيب الأولويات في هذا المجال وتخفيف الإجراءات والشروط فليس هناك أحد سيتقدم إلى الضمان الاجتماعي وهو يملك القدرة المالية على مواجهة تكاليف الحياة، ولو فعلها أحدهم مثلاً فإنه يمكن كشف ذلك من خلال التنسيق مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو البنك المركزي. فالدولة تحارب الفقر وتحارب التسول وولاة الأمر يسعون إلى رفع المستوى المعيشي للمواطن، فحينما تم إقرار الضريبة المضافة تم حماية أصحاب الدخول المحدودة وتم وضع حساب المواطن لمساعدة المتضررين من الضريبة.
وترتيباً على ما تقدم فإن لسان الحال لكل أرملة وعانس ورجل عائل لأسرة كبيرة من مستحقي الضمان الاجتماعي الذين حرموا من مخصصاتهم في الآونة الأخيرة، يناشدون المسؤولين بمنظومة الضمان الاجتماعي ولسان حالهم يقول:
لا ينبغي حرماننا من مخصصاتنا في الضمان تحت ذريعة القول بإن الإجراءات الجديدة تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً، والواقع يشهد إن كل من لا يملك دخلاً ثابتاً يوفر له العيش الكريم فهو مستحق للضمان الاجتماعي، ولسان حالهم يقول أيضاً:
إن على كل مسؤول في الضمان الاجتماعي على كافة المستويات أن يتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[ اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فأشْقُقْ علَيهِ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ.] ونسأل الله تعالى بمنه وفضله أن يغني كل محتاج وأن يفتح له أبواب الرزق فهو السميع المجيب والقادر على ذلك.



