مقالات

جمعان بن جمعة.. ذاكرة “الثعبان” وأيقونة الوفاء

Listen to this article

د. حسن التميم

في قرية الثعبان الواقعة ضمن نطاق محافظة المخواة بمنطقة الباحة، عاش رجل كان وحده بمثابة مجتمع كامل. إنه الشيخ جمعان بن سالم الظهيري الزهراني، المعروف بين الناس باسم جمعان بن جمعة، أحد أبرز أعلام الخير والإصلاح الاجتماعي في المنطقة.

لم يكن الشيخ جمعان شخصية عابرة في قريته، بل كان الحاضر في كل تفاصيلها، والركيزة التي استند عليها البسطاء لأكثر من خمسين عامًا. وهب حياته لخدمة من حوله، باذلًا جهده ووقته وإمكاناته للنهوض بقريته ورفع معاناة أهلها، حتى أصبح رمزًا للانتماء والوفاء والعطاء غير المحدود.

رجل الإصلاح والمبادرةكذا هو  حيث تقلّد الشيخ جمعان مكانة “مقدم” أهالي قرية الثعبان، وكان مرجعًا عرفيًا في حل النزاعات، ومصلحًا اجتماعيًا ينهض بقضايا مجتمعه. كان مجلسه مفتوحًا على مدار الساعة، يستقبل الضيوف والمسافرين، ويؤوي من تقطعت بهم السبل، في ضيافة لا حدود لكرمها.

ولم تقتصر مساهماته على الجانب الاجتماعي، بل امتدت إلى المطالبة بالخدمات الحكومية الأساسية لقريته، فكان المبادر الأول بطلب مخطط حكومي لقريته وتم اعتماده، وسعى لافتتاح مدارس للبنين والبنات، وقد تحقق ذلك. كما أسهم في إيصال الكهرباء والأسفلت إلى كل منزل في القرية، فضلاً عن المطالبة بـ مركز صحي تم افتتاحه لاحقًا بعد وفاته رحمه الله.

وكان رحمه الله الوجه المشرق للضيافة والكرم.. فلم يكن بيت الشيخ جمعان مجرد منزل، بل محطة عامرة للضيافة وموئل لكل محتاج. أما مركاز الضيافة الذي أقامه بنفسه، فكان شاهدًا على تواضعه وحبه للناس، ومكانًا يقصده القريب والبعيد. وكان اهتمامه الخاص بالقرية الأثرية في مسعودة أحد أوجه اعتزازه بالتراث والانتماء، حيث أشرف على الحفاظ عليها واستقبال الزوار بصدر رحب.

أحبه الصغير قبل الكبير، وحظي بمكانة خاصة بين قبيلته والقبائل المجاورة. ترك خلفه سيرة عطرة ومآثر لا تزال تروى، وذكرى لا تغيب من وجدان محبيه.

ما زالت قريته التي نشأ فيها وعاش بين أهلها تنتظر لفتة وفاء تعيد إليها الحياة، مكانًا وسكانًا. وقد عبّر لي عدد من أبنائها الذين أعرفهم عن شكواهم من نقص بعض الخدمات الأساسية، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم والبلدية والمياه، مؤكدين أن أهالي قرية ثعبان ناوان يأملون أن يجد صوتهم طريقه إلى الجهات المعنية، وفاءً لتاريخ رجلٍ خدم قريته بإخلاص حتى آخر يوم من حياته.

رحم الله الشيخ جمعان بن جمعة، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدّمه في ميزان حسناته، وبقيت قريته شاهدًا على سيرته العطرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى