مقالات
نتائج كارثية على صحة الأطفال النفسية ومستقبلهم

الباحث الأمني: اللواء م/ طلال محمد ملائكة
في خضم مشاغل الحياة اليومية، يفاخر بعض الآباء والأمهات بأنهم وفّروا لأبنائهم كل أسباب الراحة والرفاهية، بينما يغفلون عن جوهر التربية الحقيقية، ويتركون فلذات أكبادهم فريسة للإهمال التربوي والنفسي، دون أن يشعروا بالخطر الكامن خلف هذه المظاهر البراقة.
مفاخرة جوفاء برفاهية ظاهرية عمياء إذ:
- يتباهى بعض الآباء والأمهات بأنهم وفّروا لأبنائهم خادمات ومربيات (بيبي ستر) وسائقين خاصين، ليقوم هؤلاء بكل شؤون الأطفال من مأكل ومشرب، واختيار الملابس، وشراء الأدوات المدرسية، ومرافقتهم إلى أماكن الترفيه والسينما والمطاعم، وحتى توصيلهم للمدارس العالمية الخاصة ذهابًا وإيابًا، وحمل حقائبهم المدرسية، ظانّين أن ذلك هو قمة الرعاية والاهتمام!
- كما يتفاخرون بأنهم اختاروا لأبنائهم أفضل المدارس الخاصة والعالمية، ودفعوا أموالًا طائلة لتعليمهم اللغات الأجنبية وغرس قيم الغرب و”الحرية”، زاعمين أن تلك المدارس تُدرّس الدين الإسلامي واللغة العربية وتفتح مدارك أبنائهم وتجعلهم مبدعين! فهل صادفتم مثل هؤلاء الآباء والأمهات؟
- أما الوجبات الغذائية، فتصلهم وجبات غربية وشرقية عبر تطبيقات التوصيل حتى باب المنزل، ويتشارك الأطفال تناولها مع الخادمات بكل أريحية وخصوصية، ويتبادلون معهم الأحاديث العائلية، وكأنهم أفراد من العائلة! فهل حقًا تحدث هذه الحالات؟
- ويتباهى بعضهم بأنهم اشتروا لأبنائهم أحدث الهواتف الذكية بحجة إبقائهم على اطلاع بالعالم والانفتاح عليه، دون أي رقابة أو متابعة للوقت الذي يقضيه هؤلاء الأطفال في وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، وما تحمله من مخاطر الإدمان والآثار السلبية على صحتهم النفسية.
أما عن انشغال الوالدين وغياب الروح الأسرية فحدث ولا حرج حيث:
- ينشغل الوالدان – كما يزعمون – بتوفير لقمة العيش وتأمين مستقبل الأبناء، بينما هم في الحقيقة مشغولون بالسفر، وحضور اللقاءات الاجتماعية، وانغماس الأم في عيادات التجميل وصالونات التزيين، وانشغال الأب بالنوادي الرياضية وبناء عضلاته وعلاقاته الاجتماعية.
- وحين تدخل بيوت هؤلاء العائلات، تنبهر بالديكورات الفاخرة والصوالين الراقية والكتب المنسقة على الأرفف، لكنك سرعان ما تشعر بغياب الروح الإنسانية والدفء الأسري الحقيقي.
ومن ذلك وعيره نجد نتائج كارثية على صحة الأطفال النفسية لان هذا النمط من الإهمال والتفريط يخلّف آثارًا مدمّرة على الصحة النفسية للأطفال، من بينها:
- التحرش الجسدي والإيذاء النفسي: كثير من الأطفال الضحايا لا يبلغون والديهم لأن المتحرشين يهددونهم بألفاظ وطرق ترهبهم، فيكتمون معاناتهم. ولا يلاحظ الوالدان التغيرات السلوكية مثل الانطواء، والاكتئاب، والتبول اللاإرادي، والأحلام المزعجة، والبكاء الليلي المتكرر. وحتى إن شكا الطفل لوالديه، غالبًا ما تتحفظ العائلات عن إبلاغ الشرطة، وتكتفي بطرق بدائية للتعامل مع المشكلة.
- الانتحار: بعض المراهقين يقدمون على الانتحار نتيجة ما تعرضوا له من تحرش أو إيذاء نفسي، أو بسبب إدمانهم على الإنترنت، وسقوطهم في شباك ما ينشر في وسائل التواصل من ألعاب مدمّرة وتواصل إلكتروني مع أنظمة قد تدفعهم إلى الانتحار، أو وقوعهم في شباك ساديين يتلذذون بإيقاع الأطفال في الفخاخ الإلكترونية.
- الانعزال والانفرادية: فينعكس ذلك على سلوكهم، ويصبح بعضهم شخصيات سلبية مقارنة بالأطفال والمراهقين الأسوياء.
النتائج كثيرة مدمّرة منها آثار نفسية مستقبلية الى جانب:
- سيحمل هؤلاء الأطفال معهم أمراضًا نفسية دفينة قد لا تُكتشف بسهولة، لكنها تظهر لاحقًا حين يلتحقون بالوظائف أو يخوضون الحياة العملية والاجتماعية، حتى وإن بدوا ناجحين ظاهريًا.
- هذه السلبيات ترافقهم إلى حياتهم الزوجية والأسرية، وقد تؤدي إلى الطلاق وتفكك الأسرة، وتنتقل العدوى السلوكية إلى أبنائهم. وكلما تقدموا في السن، ظهرت هذه الاضطرابات بشكل أكبر، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بأمراض نفسية تتطلب تدخّلًا طبيًا متخصصًا.
ولعلي أصل إلى تحذير ورسالة للآباء والأمهات من عمق الفؤاد لنا آباء وأمهات ومربين ومعلمين ومعلمات وإلى الأسر المسلمة أينما كانت.. جميع ما سبق وسطر هنا مستند إلى أبحاث علمية قديمة وحديثة تؤكد مخاطر الإهمال الأسري على الأطفال.
فيا أيها الآباء والأمهات، اتقوا الله في أمانتكم بأطفالكم، فـ«كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». وإن العقاب الإلهي سيصيب كل مهمل ومتخاذل في تربية أبنائه، وسيذوق ثمرة إهماله حين يكبر هؤلاء الأبناء ويهجرونه ولا يعودون يزورونه إلا نادرًا، فيحصد ما زرع في حياته قبل مماته.