المرضُ عِبرةٌ وعِظة.. شكرًا لكل من زار أو اتّصل وأكثرَ الدعاء

أ. شهوان بن عبد الرحمن الزهراني
من نعم الله عز وجل الجليلة والعظيمة – والتي قد تخفى على الكثير – أنه سبحانه وتعالى لا يترك الإنسان يستمر في غفلة من أمره عن واقعه، بل يضع في طريقه ما يجعله يصحو ويعيد حساباته، ويرى الجانب الآخر من الحياة فبعد الصحة يرى المرض وبعد علو المنصب والجاه يرى العزلة والوحدة، وبعد كثرة الأصحاب والمحيطين بالإنسان يجد الكثير منهم قد تناسى الحال وذهب إلى غير رجعة، فيدرك أن الله سبحانه هو القادر على كل شيء في حدوث التغيير من حال إلى حال.
وترتيباً على ما سبق، فإنني أبدأ بحمد الله حمداً يليق بجلال وجه وعظيم سلطانه وأشكره شكراً يملأ السموات والأرض وما بينهما على ما منّ به عليّ من الصحة والعافية بعد أن تعرضت لأزمة صحية مفاجئة خلال الشهر الماضي على أثرها دخلت مستشفى الملك فهد بالباحة وقد كانت التشخيصات الأولية تشير إلى بداية جلطة في المخ ولكن عناية الله عز وجل وحفظه ولطفه ثم الرعاية والاهتمام من الكوادر الطبية والصحية ثم تلك المشاعر الفياضة الكبيرة والاحاسيس المفعمة بالحب من الزوجة والابناء والأحفاد والأشقاء وأبنائهم وأحفادهم ذكوراً وإناثاً صغاراً وكبارا والاقارب والأرحام والأصدقاء من داخل القرية ومن خارجها، والتي شكلت بلسماً شافياً ودواء ناجعاً، فقد أحاطوني وغمروني بفيض حبهم ونبل مشاعرهم ورأيت منهم جميعاً ما يسرّ القلب وتطمئن به النفس ولم يكتف كثير منهم بالزيارة الواحدة أو الاتصال الواحد بل كانت زيارة الكثير منهم تتوالى يومياً والاتصال لا يكاد ينقطع، وكان على رأس هؤلاء وفي مقدمتهم شقيقي الأكبر أبو عبد الرحمن علي أطال الله في عمره وجزاه عني خير الجزاء فبرغم مرضه شخصياً إلا أنه لم يكن يتأخر عن زيارتي في المستشفى أو المنزل يومياً رغم أنه لا يستطيع المشي ولا يأتي إلا على كرسي متحرك لتعرضه لكسر في رجله.
وتجلت رعايته واهتمامه بصحتي بما أكرمني به من إقامة حفل بمناسبة شفائي دعا إلى جميع الأقارب وكثير من الأصدقاء والجيران. وقد كان أبناؤه البررة لا يتخلفون عن الحضور معه، وشعرت بأن كل أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء قد تألموا بما تألمت منه، كل ذلك قد جعل الوجع والألم يتلاشى في ظل ذلك الاهتمام والود والوقفة الصادقة، تناسيت معها ما ألم بي، فقد عشت في أجواء مفعمة بالمحبة والرعاية والاهتمام. وهذه نعمة كبيرة وفضل من الله سبحانه وتعالى على الإنسان لا يدركها إلا من عاش لحظاتها، وذاق لذاتها، وعرف اسرارها.
وقد كان منزلي بعد خروجي من المستشفى كخلية نحل للزائرين، بل أن أخواتي وبناتهن وبنات إخواني حفظهن الله جميعا من كل مكروه كن لا يجدن فرصة للجلوس معي – وبخاصة بعد خروجي من المستشفى- إلا بعد صلاة العشاء حينما يعلمن أن ليس هناك من يزورني من الرجال.
ولا شك أنه بمثل هذه المشاعر والاحاسيس العظيمة يتلاشى الألم ويخف الوجع، ويدرك الإنسان مكانته بين أفراد أسرته وأقاربه وأصدقائه ومجتمعه، ويدرك مدى أهمية الترابط الأسري والمجتمعي بكافة اطيافه ويعلم عظمة الإسلام وحرصه على التراحم والتآلف والود، وأداء حقوق المسلم على المسلم من الزيارة إذا مرض وما فيها من الأجر العظيم وثمارها اليانعة التي توطد عرى المحبة والتلاحم بين الناس وتبادل الدعوات الطيبة النابعة من القلوب، وقد لمست من الجميع ممن زارني في المستشفى او تشرفت بزيارته في منزلي أو باتصاله هاتفياً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي طيب المشاعر وحسن الدعوات وكأنهم بذلك يشاركونني في تحمّل الالم وكانت عباراتهم الرقيقة وهداياهم الجميلة والثمينة في عيني وقلبي تمحو كل آثار الألم وتغسل الأوجاع لحظة بلحظة وتشعرني إن الله عز وجل يجعل في كل محنة منحة، فلولا هذا العارض الصحي لما رأيت بأم عيني مثل هذا الحضور والمشاعر الفياضة والأحاسيس تبرز في مثل هذه اللحظات، وفي هذا دلالة واضحة وتأكيداً جازماً على قوة الترابط والتلاحم بين المسلمين والمبادئ والقيم الأخلاقية التي تؤسس العلاقات بين أفراد المجتمع الإسلامي، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[ مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى].
وقد رغب الإسلام في زيارة المريض لتوثيق الروابط الإسلامية وشد عرى الأخوة الإيمانية، فقد جاء في الحديث الشريف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[ ما مِن رجلٍ يعودُ مريضًا مُمسيًا، إلَّا خرجَ معَهُ سَبعونَ ألفَ ملَكٍ يستَغفرونَ لَهُ حتَّى يُصْبِحَ، وَكانَ لَهُ خريفٌ في الجنَّةِ، ومن أتاهُ مُصبحًا، خرجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يستغفرونَ لَهُ حتَّى يُمْسي، وكانَ لَهُ خَريفٌ في الجنَّةِ].
كما أن المرض يعتبر منحة حتى لو انتهى بالوفاة، باعتبار أن بعض حالات الوفاة تأتي فجأة وتكون على الأهل حسرة فوق حسرة فلا يجد الأهل والأقارب ولا الأصدقاء فرصة الزيارة والجلوس مع المريض فموت الفجأة استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم:[ اللّهُمّ إنّى أعُوذُ بك منْ زوال نعْمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقْمتك، وجميع سخطك.] بينما المرض يعتبر طهور للإنسان وفيه أجر كبير لمن صبر، كما إن فيه فرصة لأهله وأقاربه في الحديث مع المريض ومحاولة تسليته والمساهمة في تخفيف الألم عنه. وهذا بحد ذاته منحة تأتي مع محنة المرض. 
ومن هنا فأنني أشكر الله تعالى كثيراً ثم أسدى الشكر من أعماق قلبي كل من تجشم عناء الوصول وتفضل بزيارتي وشرفني بوصوله سواء في المستشفى أو المنزل أو أتصل هاتفياً أو بأي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي وأسال الله تعالى أن يكتب له الأجر والثواب وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته، إنه سميع مجيب.
 
				


