بين البيت والشارع والسوشال ميديا..!

أ. نجيب المسعودي
قديماً، كانت التربية مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة والشارع.. أي اطراف كانت يسهم بدرجات متفاوتة في تشكيل شخصية الفرد وبناء وعيه.
اليوم تغيّرت المعادلة جذريًا، وأصبح للسوشال ميديا صوت أعلى وتأثير أوسع، يوازي وربما يتجاوز تلك الأدوار التقليدية.
لم يعد الأمر مجرد وسيلة ترفيه أو تواصل، بل تحولت المنصات الرقمية إلى مدارس جديدة، يتعلم منها الأبناء، ويستقون منها قيمًا وصورًا للحياة.. وهنا تكمن خطورة التأثير؛ فالمحتوى الذي يُنشر قد يصل لطفل في مرحلة حساسة من عمره، أو لمراهق لم تتشكل لديه بعد القدرة الكافية على التمييز بين الواقع والزيف، أو حتى لأسرة كاملة تبني قراراتها اليومية على ما تراه وتتابعه.
المعضلة الأبرز تظهر حين ينغمس بعض المؤثرين وصنّاع المحتوى في المفاخرة واستعراض الأموال والممتلكات، دون إدراك لما قد يخلّفه ذلك من أثر سلبي. مشاهد الرفاهية المبالغ فيها قد تُربك وعي الصغار، وتزرع في نفوسهم قناعات زائفة بأن هذه الصورة هي الطبيعية التي ينبغي أن يعيشها كل إنسان، لتبدأ بعدها سلسلة لا تنتهي من المقارنات والطلبات التعجيزية التي تُثقل كاهل الآباء والأمهات.
هنا، تتضح الأمانة الكبرى الملقاة على عاتق المؤثرين.. فالمسألة ليست مجرد محتوى يُنشر وينتهي أثره في ثوانٍ، بل هي مسؤولية اجتماعية وأخلاقية في انتقاء المواضيع وطريقة الطرح.. ما يكتبه أو يصوره المؤثر اليوم قد يشكل وعي جيل كامل غدًا.
من حق الجميع أن يشارك تجاربه ويحتفي بنجاحاته، لكن دون أن يتحول ذلك إلى كسرٍ للقلوب أو إشعالٍ للمقارنات. فالمسؤولية الحقيقية للمؤثر أن يكون مصدر إلهام وبصمة وعي، لا مجرد صورة لامعة تُثير شهية التقليد والاستهلاك