أحوال – عبد الله صالح الكناني
حين يكون الحرف سيرةً، وتغدو القصيدة مرآةً لروحٍ كبيرة، يجيء اسم الأديب الشاعر ورئيس نادي الباحة الأدبي الثقافي الأستاذ حسن محمد الزهراني بوصفه معنىً قبل أن يكون اسمًا، وقامةً قبل أن يكون لقبًا.
رجلٌ نُسج من بساطةٍ شفيفة، وحكمةٍ عميقة، فكان في حضوره درسًا، وفي حديثه دهشةً، وفي صمته بليغًا لا يقل أثرًا عن قوله.
هو معلمٌ قدير، ورائدٌ فطِن، وشاعرٌ لا يُشقّ له غبار، إذا نطق أنصت الحرف خاشعًا لجلال المعنى، وإذا أصغى منح للكلمة حقّها من التأمل والإنصاف. يجمع بين تواضعٍ نادر وعلوّ قيمة، وبين قلبٍ صافٍ وعقلٍ يُحسن الإصغاء قبل البيان.
في هذه القصيدة — سِيرةُ حَرف — لا نكتب عن شخصٍ فحسب، بل نكتب عن أثر، عن سيرةٍ تسير على أقدام الأخلاق، وعن حرفٍ تعلّم من صاحبه كيف يكون نبيلًا، وكيف يتحول من صوتٍ إلى رسالة، ومن كلمةٍ إلى حياة.
القصيدة:
حين أسرجت مهجتي قنديلا
صار نبضي شعراً وهمسي هديلا
صار صوتي (ناياً) ،وصمتي حنيناً
وخيالي برقاً ، وشوقي نخيلا
والقوافي (نوارسا) والمعاني
شاطئاً هادئاً. وبحراً رسيلا
ها أنا جالس بقربي. وقلبي
خلف ظلي يؤول التأويلا
خال في غمرة الشجى ذات حلم
مبسماً فاتناً ، وطرفاً كحيلا
وقواماً تلهو به الريح ضاهى
إذْ تماهى: (باناً) ، وخدّاً أسيلا
أرِقَ الصمتُ في ضفاف التّحايا
فأرقتُ الحروف بالشدو نيلا
أينع الكون حينها بضياء
صار منه الدجى ( كثيباً مهيلا )
وتلألأتِ في هُلام الأماني
تغزلين السنا وشاحاً جميلا
تطعمين النسيم عطر الصبايا
ثم يسري بين العروق عليلا
تلبسين الرياح صمت المرايا
ثم تسقين كَرْمها زنجبيلا
تودعين اليقين شكَ النوايا
تنشرين الوداد ظلاً ظليلا
(يا ملاك الجنوب) رفقاً بقلبٍ
صار في وجنتيك لوناً خجولا
هائم. حالم. جريح. طريح
كم تمنى إلى رضاك الوصولا
سكب الرمل صبره في خطاه
والمدرات (زنّرته) الرحيلا
صاغ من عطرك الجموح شراعاً
وصدى صوتك الشجي خيولا
وأناخ الركاب بين شموس
تنشر الوعي (بكرة وأصيلا)
أيها المبدعون طبتم مساءً
جئتكم من (ذرا الجمال) رسولا
جئت أشكو حال (المثقف) لما
صار في أعين الرعاع عميلا
قام يدعو إلى السمو بقلبٍ
مخلص لم يجد لدينا خليلا
لو أقمنا قدر المثقف فينا
لبلغنا في العز شأوا جليلا
من حناياه يخرج النور بكراً
وعلى مقلتيه خط السبيلا
نقش الحلم في جذور الأماني
ثم زف الرشاد غيماً هطولاً
أيها المبدعون طبتم مساءً
من هنا نبدأ الكفاح الأصيلا
من هنا نحتفي (بسيرة حرفٍ)
كان في (أخمص المداد) كليلا
امتطى (مهجة اليراعة) فجراً
وتدانت منه السهى تبجيلا
وتدلى من (سدرة الغيب) طهراً
وقضى في نهى الجلال المقيلا
صار فوق النجوم يبعث ومضاً
باهراً ساحراً يدل الدليلا
وتشظى فأورق النور (وحيا)
والنواصي بالرشد أضحت حقولا
فخطفنا أضواءه ومضينا
كل جيلٍ يهدي إلى المجد جيلا
يا رفاق البيان من قال إنا:
لن نعيد التاريخ: فجراً خضيلا؟
من رمانا بالعقم؟ نحن رياض
أينعت في نهى العقول عقولا
نحن شمس اليقين أنى وجدنا
لن يرى الحاقدون منا أفولا
نحن غبنا حيناً ولكن أعدنا
حين عدنا: للعالم: المأمولا
عربي وجه البيان تجلى
فإذا البيد: نخوة وصهيلا
أشرق الفكر من هنا فأضاءت
حالكات الظنون وعياً نبيلا
نحن من ألهم الحروف: المعاني
نحن من علم السيوف: الصليلا
أنصت المنكرون: طوعاً وكرهاً
وأعدوا لما نقول القبولا
كل يوم يرون منا جديداً
فيقومون: دهشةً وذهولا
نحن بالنور قد ولدنا وإنا
سوف نبقى للنور نوراً أصيلا
زر الذهاب إلى الأعلى