وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ

أ. علي الزهراني
قال الله سبحانه وتعالى: “وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق”.
هذا أمر رباني من الله العزيز الحكيم لنبيه إبراهيم عليه السلام، عندما أكمل بناء البيت العتيق بعد أن ترك هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام في وادٍ غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، كما قال الله تعالى:
“ربّ إنّي أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم ربّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم”.
نعم، ترك إبراهيم عليه السلام هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام، ذلك الطفل الرضيع، في هذا الوادي القفر، لا ماء فيه ولا غذاء، فاستجاب الله دعوة نبيه.. ولما أذّن إبراهيم بالحج، سمعه من في الأرض، فاتجهت أفئدتهم إلى المكان، رجالاً وركباناً، ليُلبُّوا دعوة إبراهيم عليه السلام.
ومن ذلك النداء، وظهور زمزم، استوطن الناس مكة، وكبر إسماعيل، وتزوج من قبيلة جرهم العربية، أول قبيلة استوطنت مكة.. وبدأت قوافل الحجاج تتوافد على بيت الله الحرام، فأصبح لهذا البيت مكانة عظيمة عند العرب، مما أوغر صدر أبرهة الحبشي ملك اليمن، فقدم إلى مكة لهدمه، ولكن الله حمى بيته الحرام، وأهلكهم بالطير الأبابيل.
وشرفت قريش بخدمة هذا البيت، وخدمة من يأتي إليه، بالسقاية والرفادة بين بني هاشم وبني عبد الدار.. وتوالت الحقب الزمنية حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، فأصبح الحج ركناً من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً.
وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، علّم فيها الناس مناسك الحج وأحكامه وأنواعه (المفرد، والمقرن، والمتمتع)، وكل نوع له أحكامه الخاصة.. ويتواجد الحجاج في منى يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، ليترووا بالماء استعداداً ليوم الحج الأكبر، يوم عرفة، اليوم التاسع، الذي يُعدّ يوم الحج، فمن لم يقف بعرفة فلا حج له.
وفي هذا اليوم العظيم، يباهي الله تعالى بالحجاج ملائكته، ويقول: “إني قد غفرت لهم، قدموا من كل مكان يدعونني ويعظمونني”.. وبهذا استحقوا هذه المكرمة الربانية العظيمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من حجه كيوم ولدته أمه”.
ما أعظم هذا الركن الذي يُغفر الله فيه لحجاج بيته الحرام، فيعودون إلى أهلهم وليس في صحائفهم ذنب، فقد غفرها الله لهم.
وفيما مضى، كان الحجاج يعانون من مشقات كثيرة، إذ يعترضهم في الطرق قطاع الطرق الذين يسلبون أموالهم وغذاءهم، وربما يقتلونهم.. وكذلك كانوا يعانون من طول المسافات من بلدانهم إلى مكة، فيتوافدون في قوافل خشية المخاطر.
أما الآن، في عهد الدولة السعودية المباركة، فقد سُخّرت جميع الإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن، من تطوير للخدمات في المشاعر المقدسة، وتوسعات متتالية في الحرم المكي الشريف ليستوعب هذا العدد من الحجاج.. وفي منى، طُوّر جسر الجمرات، وأُنشئت إدارة خاصة بالحشود لتلافي الازدحام والوفيات.
كما وُضعت كل مرافق الخدمة الصحية والأمنية بجميع قطاعاتها لتسهيل حركة الحجاج وضمان سلامتهم.. وتشرف القطاعات الأمنية عبر مركز العمليات على متابعة سير الحج والحجاج بسلاسة وسلام، بمتابعة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، ووزراء الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة، والجهات المعنية بالحجاج مثل شركات الطوافة، وحملات الحج عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، ليؤدوا مناسكهم بكل راحة وطمأنينة وسلامة.